منصة الصباح

الباحث القاص محمد العنيزي للصباح ..مهمتي نفض الغبار عن قامات ثقافية لم يتناول سيرتها

القصة هي فن اللحظة

روح التوثيق تبرز في بعض أعمالي

حاورته /حنان علي كابو

ما بين القصة والبحث بدأت رحلة القاص والباحث محمد العنيزي يؤرخ للتاريخ ويؤرشف للمدينة وجهها المضيء بشخصياتها النبيلة والعتيقة ،ينفض الغبار عنها .وعندما يتملكه روح السرد يهرب للقصة القصيرة ،يعترف بأنه مقل في نتاجه القصصي في رضا عما قدمه وما يقدمه للتاريخ .

في حواري معه تحدثنا عن بنغازي العامرة والقصة وتجربته في الكتابة والمسرح واخيرا مع الكتابة الوثائقية .

أخذت على عاتقك عبر اصداراتك نشر معالم من تاريخ بنغازي ،من أين جاء هذا الاهتمام؟

ـ من خلال إطلاعي وقراءاتي لاحظت أن هناك جوانب مهملة من التاريخ الاجتماعي والثقافي والفني لمدينة بنغازي.. رغم بعض الكتابات التي تناولت هذا التاريخ .. ولكنها لم تكن بالقدر المطلوب .. ومنذ سنوات وأنا أبحث عن المصادر سواء الشفهية منها أو الوثائق والمستندات سعيا وراء الحصول على ما يمكن توثيقه من تواريخ وأحداث وسير ذاتية لمن قدموا ما يفيد المجتمع .. والأمر المؤسف حقا أن هؤلاء الناس منهم من رحل عن دنيانا ولم ينل حقه من التعريف بسيرته أو تكريمه عرفانا بما قدم .. وكنت أشعر بالواجب والمسئولية تجاه هذه المدينة بالمساهمة في جمع تاريخها وتوثيقه

ما الجديد الذي يعتقد العنيزي انه اضافه من خلال التوثيق والتأريخ؟

ــ أعتقد أن إضافتي من خلال التوثيق والتأريخ هي نفض الغبار عن شخصيات وقامات ثقافية وفنية لم يتناول سيرتها أي من الكتاب والباحثين وكذلك نشر بعض الموضوعات المتعلقة بالتاريخ الاجتماعي التي لو لم أقم بتوثيقها لضاعت وطواها النسيان .. وهذا أمر يعرفه الكثير من المهتمين بهذا الشأن ..

لماذا القصة

ــ لأن القصة القصيرة هي فن اللحظة المهمة أو المختارة بعناية وهي تعطي الفرصة للقارئ لمعايشة تلك اللحظة التي قد لا تتوفر له في الواقع العملي .. ولأن القاص يجسد رؤية الحياة من زاوية معينة فيحدث ذلك نشاطا فكريا متفاعلا مع الواقع ..وعندما سئل الأديب يوسف ادريس عن معنى القصة القصيرة قال : إن القصة القصيرة خاطفة وسريعة وتترك تأثيرها العميق بسرعة ..

كيف يمكن للقاص أن يحول احداثا رهيبة إلى حكايات مشوقة ؟

ــ للقاص دائما رؤية تختلف عن الآخرين .. فهو يرصد التفاصيل الدقيقة لما حوله من أحداث يومية و مواقف .. ويملك أدوات الكتابة .. وهو يعرف جيدا كيف ينتقي مفرداته اللغوية وكيف بقوم بتركيب الجمل .. لذلك عندما يكتب يمكنه أن ينقل الحدث بجمالية وفن وبأسلوب يشد المتلقي إليه ..

 ــ مجموعتان قصصيتان ،لماذا أنت مقل في انتاجك القصصي ؟

سأوافقك الرأي بأنني مقل في انتاجي القصصي والتي كانت مجموعتان قصصيتان ( عربة أحلام ــ أزهار المستودع ) إضافة إلى مجموعة حكايات ( عن المدينة والبحر وبرنيس ) .. والسبب في قلة انتاجي القصصي يعود إلى اهتمامي بتوثيق التاريخ الاجتماعي والثقافي والفني لمدينة بنغازي كما ذكرت سابقا .. وهذا المجال استحوذ على معظم وقتي وكان من الطبيعي أن ابتعد قليلا عن أجواء السرد التي لازلت أحن إليها فأكتب بين الحين والآخر نصا قصصيا ..ولست منزعجا من هذا الأمر لأنني أسهمت في الحفاظ على تاريخ مدينتي ومسقط رأسي من خلال التوثيق ..

انتقلت للكتابة المسرحية ما الذي تود أن تقوله على ركح المسرح ويصل للمشاهد ؟

ـ كانت تجربتي في الكتابة المسرحية من خلال عمل واحد هو مسرحية ( رحلة باطوس ) وهي مسرحية تاريخية تحاكي مجيء الإغريق إلى ليبيا نتيجة للمجاعة التي حلت بهم وتأسيسهم لمدينة قوريني ( شحات ) .. وفي هذا العمل قمت بتوظيف أسطورة يونانية قديمة عن الإله أبوللو والحورية قوريني لأنقل الفكرة التي أود قولها للمتلقي عبر توظيف الأسطورة وكتابة مثل هذه الأعمال ليست بالأمر السهل وهي قليلة جدا في الأعمال المسرحية الليبية ..

أسلوبك القصصي مسكون بالشعر ،هل على القصة القصيرة أن تكتنفها الشعرية

ــ نعم هذا صحيح .. وأعتقد أنه نتيجة لقراءتي المتواصلة للأعمال الشعرية انعكس ذلك على لغة السرد في كتابتي ولكن دون أن تثقل هذه الشعرية النص السردي بطوفان لغوي يشتت ذهن القارئ وبمعنى آخر دون أن يكتسي النص بحالة هلامية ترهق القاريء مما يؤدي إلى عزوفه عن قراءة هذه الإعمال .. فمن الممكن الإستعانة باللغة الشعرية لخدمة السرد شرط أن تكون استعانة واعية بمهمة النص في إيصال رسالته الجمالية فلا تطغى اللغة على المضمون ..

في نظارة أبي ” كان حضور الأب والطفولة المتعلقة في اذيال ثوبه ،هل تأثر العنيزي بخطى والده الراحل ؟

ــ في النص القصصي ( نظارة أبي ) ارتدائي لنظارة أبي رحمه الله كان استدعاءا لشخصيته كأديب ومثقف أرخ لمجتمع بنغازي خلال الحرب العالمية الثانية وما بعدها وهي الفترة التي تفتحت فيها مداركه .. وقد حدث النزوح لأهل مدينة بنغازي اثناء الحرب خوفا من قصف طيران قوات المحور والحلفاء وسمي ذلك العام ب ( عام الهجة ) عندما نزح الناس إلى منطقة اللثامة والكويفية شرقا وإلى منطقة القوارشة والفعاكات غربا .. كما حدث النزوح لأهالي بنغازي في الحرب ضد الدواعش ..في النزوح الأول كان الوالد شاهد عيان على أحداث الحرب .. وفي النزوح الثاني كنت أنا شاهدا على ما حدث .. والوالد ينتمي إلى جيل الواقعية الاجتماعية وهو الجيل الذي أثرى المشهد الثقافي الليبي مع بداية استقلال الدولة الليبية في سنوات الخمسينيات من القرن الماضي ولكل منا أسلوبه في الكتابة القصصية ..

اتجهت لكتابة السيناريو للأفلام الوثائقية حدثني على هذه التجربة

ـ بدأت تجربة كتابة وإعداد السيناريو للأفلام الوثائقية ( التسجيلية ) .. بالفيلم الوثائقي ( بنغازي ملح الحكاية ) الذي أخرجه الصديق المخرج طارق الهوني عام 2012 م وقد لاقى هذا الفيلم نجاحا واسعا عند عرضه في إحدى القنوات الفضائية .. مما شكل دافعا لي للاستمرار وأعتبرها تجربة ممتعة وخاصة عند الإنتهاء من العمل الوثائقي وعرضه على الشاشة .. وهذا المجال بالطبع مختلف عن الكتابة الأدبية والبحث في التاريخ فاللغة البصرية ( لغة الأفلام التسجيلية ) تختلف عن اللغة الأدبية لأنها لغة ليست ذهنية وتعتمد على وصف المشاهد واختيار الشخصيات ومراعاة التسلسل في الحوار..

روح التوثيق تبرز في بعض أعمالي الوثائقية التي أستلهمها من التاريخ الإجتماعي والثقافي ومن هذه الأعمال ( بنغازي ملح الحكاية ) و ( صحافة بنغازي في تصف قرن ) و( بين الأمس واليوم ) .. والأمر المؤسف في هذا الموضوع هو غياب المؤسسة التي تتبنى وتدعم الأفلام الوثائقية في الوقت الذي تفسح فيه الفضائيات في مختلف الدول المجال للأفلام الوثائقية .. ومعظم القنوات الفضائية في ليبيا لا تعير اهتماما بالفيلم الوثائقي رغم أن من يقومون على أقسام البرامج والإدارات هم إعلاميون وخريجو إعلام ..

تم تكريمك اخيرا بدروع العطاء ؟ كيف وجدت هذه اللفتة ؟

ــ هذا التكريم بالنسبة لي وقفة نبل ووفاء وتقدير لما قدمته .. وقد جرى في أمسية ثقافية بمركز وهبي البوري الثقافي بالتعاون مع المجلس البلدي بنغازي تحت عنوان (ندوة ثقافية تاريخية حول إنتاج الأديب والباحث محمد العنيزي (..وأسعدني أن التكريم جرى في مدينة بنغازي مسقط رأسي ومسقط رأس أبي وجدي والمدينة التي أحملها في القلب عشقا .. وهي المكان الذي زرعت فيه ثمرة جهودي خلال سنوات مضت من العمر في البحث والتوثيق .. ولن أنسى أن أوجه شكري إلى الأستاذ خالد العمامي مدير مركز وهبي البوري الذي يعمل بكل جدية .. والأستاذ عمر موسى الفضيل الذي كان صاحب الفكرة ومعد الندوة .. وقد تم تكريمي بدرع مقدم من مركز وهبي البوري استلمته من معالي وزيرة الثقافة التي شرفتني بحضورها .. كما تم تكريمي بدرع مقدم من المجلس البلدي بنغازي استلمته من الأستاذ فرج هامان ولهم مني جزيل الشكر ..

شاهد أيضاً

المركزي ينفي توقف مصارف أجنبية عن التعامل معه

فنّد مصرف ليبيا المركزي، ما تردد عبر بعض منصات التواصل الاجتماعي، حول توقف مصارف أجنبية …