د.على المبروك أبوقرين
الجنوب الليبي عانى كثيراً ويتعرض لمخاطر جسيمة، والعمل على تنميته مستعجل جداً جداً. تأمينه وحمايته من الأولويات الوطنية، وتشجيع أبنائه البررة على القيام بدورهم والبقاء في مدنهم وقراهم وبين أهلهم وذويهم يحتاج من الدولة الكثير.
يجب أن يتم ذلك من خلال التشريعات والقوانين والقرارات التنفيذية، بالإضافة إلى سياسات واضحة، واستراتيجيات وخطط وبرامج مدروسة تنهض بكل الجنوب الليبي تعليمياً وصحياً وثقافياً واقتصادياً. يجب أن يكون الجنوب جاذباً لعودة أبنائه وديمومة الاستقرار فيه، ودافعاً قوياً لانتقال الكثير من أبناء الوطن للتوجه جنوباً للعيش فيه والتمتع بخيراته وما حباه الله به من نعم.
مقومات التنمية موجودة في المواطن والخيرات التي يتمتع بها الجنوب من مياه ونفط وغاز ورمال وطقس وبيئات نظيفة وجغرافية شاسعة. هناك إمكانيات سياحية كبيرة وفرص استثمارية في الصناعة والزراعة والسياحة والتجارة متعددة وواعدة، مما قد يحول ليبيا بفضل الاهتمام بالجنوب إلى قلعة صناعية، ومصدر كبير للإنتاج الزراعي، ومقصد سياحي داخلياً وخارجياً للتنزه والعلاج.
لذلك، على المسؤولين في السلطة التشريعية إعداد وإصدار القوانين الداعمة والمشجعة لأهلنا بالجنوب الليبي. وعلى السلطات التنفيذية تفضيل أهل الجنوب في العمل والمداخيل والإقراض، والإعفاء من الضرائب والجمارك، وتوفير المياه والكهرباء والغاز الطبيعي مجاناً. يجب أن تشيد في كل القرى والمدن أحدث المدارس بأحدث التكنولوجيا التعليمية وأساليب وطرق التدريس من رياض الأطفال إلى الجامعات، بالإضافة إلى مراكز بحثية متخصصة فيما يخدم الجنوب ومقوماته.
ينبغي توفير بيئات معيشية تحقق الراحة والأمان والازدهار والرفاه بمخططات سكنية متكاملة حديثة تراعي احتياجات المواطنين الحياتية لكل الفئات العمرية وتعزز من ثقافتهم المتنوعة، وتترجم التوقعات لواقع والأحلام لحقائق بتنمية حقيقية ومستدامة. الجنوب في حاجة ماسة لخدمات صحية عالية الجودة تحقق التغطية الصحية الشاملة والعادلة والمنصفة والفعالة، وتكون في متناول الجميع مجاناً. يجب أن تغطي المرافق الصحية المجتمعة الخدمات الصحية الاستباقية والتنبؤية والوقائية والرعاية الصحية الأولية والرعاية الصحية المدرسية والمنزلية والمهنية وخدمات الصحة النفسية والعقلية.
يجب توفير جميع خدمات الأنشطة البدنية والاجتماعية والتنشئة والتربية الصحية والسلوكية والتوعية والتثقيف الصحي المجتمعي والمشورة في التغذية الصحية والأنماط الحياتية السوية والدعم النفسي والاجتماعي للفئات الهشة والضعيفة وذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن وغيرهم. يجب أن تكون هناك خدمات الإسعاف والطوارئ المتكاملة والمرتبطة بمنظومة الإسعاف والإنقاذ والطوارئ والتدخل السريع بين المدن والقرى وعلى كل الطرق بكامل تراب الوطن.
يجب أن تكون هناك خدمات صحية استشفائية بمستويات مختلفة حسب الحاجة لكل تجمع سكاني، والأهم هو تكامل الخدمات بين المستويات الاستشفائية المختلفة بنظام إحالة متقدم يعمل بمفاهيم الصحة الإلكترونية والخدمات المرقمنة وكل الوسائل الحديثة التي تطبق تقنيات متطورة تخدم البشرية وتحقق سرعة الحصول والوصول للخدمات الصحية الآمنة وتحقيق النتائج المرجوة لصحة ورفاه أبعد من الخلو من المرض والعجز والقلق.
ولهذا، يجب أن تؤسس في الجنوب الليبي جامعة متكاملة متطورة تقوم بخدمة المجتمع والبحوث العلمية وتعليم الأجيال الناشئة. يجب أن تتوفر فيها كل المتطلبات التي تؤهلها لتكون مماثلة للجامعات العالمية الأولى.
لا صعوبة أو استحالة في ذلك إذا ما توفرت الإرادة والإصرار والحكمة. الصحراء منبع لا ينضب من الخيرات، وأولها الإنسان الجاد والمثابر والمعطاء والمنتج والمكافح. إذا توفر لأهل الجنوب التعليم المتقدم والتدريب المستمر والصحة عالية الجودة، والأمن والأمان، وبيئات معيشية تحقق الرفاه، فسوف ينهض بأهله وينهض بليبيا. التنمية خيار وليست أقدار. إن نهض جنوب البلاد نهضت ليبيا.