منصة الصباح

حوار مع الكاتب يونس الفنادي: بعض الكتّاب والشُّعراء تتم محاكمتهم سياسياً وأيديولوجياً، والسبب: نصوصهم الإبداعية..!

حنان علي كابو

“يونس الفنّادي” كاتبٌ يضطلعُ بإكسير الكتابة، في التفاعل والارتقاء والسمو مع أحداث الحياة كمهمة مجتمعية.. ويتتبّعُ ذائقته الفنية في التعاطي مع النصوص الإبداعية بكل أشكالها..يلتزمُ مع النصّ بمنحه مساحات المكاشفة كاملة.. له كمٌّ من الإصدارات اامتنوعة، وقلمٌ يُعافر، فيمنحه وطناً بأكمله..

*لماذا الكتابة؟

الكتابة هي النفس، وهي الأمل، وهي معزوفة الحياة بكامل أطيافها وأناشيدها وأزمنتها. هي الفرح وهي الانكسار، وهي الوطن الذي يبني الإنسان. الكتابة ليست مجرد بوح أو تنفيس كما يقول البعض، بل هي مهمة مجتمعية وتفاعل مع أحداث الحياة. الكتابة هي إرتقاء وسمو بالفكر، وبهجة الروح ونبض القلب.. الكتابة فضاء لا يحسُّه إلاَّ من خبره وغاص فيه وتلذذ بعذابات تطريز الحروف ونقش العبارات وترتيب الجمل واستبدالها وإسكانها في مواقع تليق بها في متن النصّ. عذراً الكتابة وعشقها لا يمكن وصفها بالكلمات وحدها.

*هل فوزك بالترتيب الأول في كتابة المقالة الأدبية عام 1981، كان باباً لولوجك في عالم الكتابة؟

لا شك أن نيل الترتيب الأول هو إعتراف رسمي بتوفر ملكة الكتابة، وموهبة امتلاك نواصي وأدوات اللغة التعبيرية في مقالتي الفائزة، وهذا الاعتراف من لجنة التقييم بتلك المسابقة الجامعية طالما أنه جاء من أساتذة أجلاء متخصصين في اللغة العربية والأدب والنقد بكلية التربية بجامعة طرابلس فقد بعث في داخلي المزيد من الثقة والرغبة والاستمرارية في الكتابة، وكذلك التحفيز لمزيد القراءة والمطالعة لأنها الزاد الأساسي لإنتاج أي كتابة.

*هل يتبع الفنادى ذائقته الخاصة في اختياره الشخصيات وكتبه؟

بالتأكيد للذائقة الخاصة تأثير كبير على توجهي ومساراتي في الكتابة. فأنا لا أكتب إلا ما يختاره فكري وأجد له صدى في كياني الوجداني العاطفي. ولا أختار الشخصية لأتناولها في كتابتي إلاّ لإيماني بأنها تستحق أن أنفق عليها الوقت وأبذل الجهد من أجلها، فأستمده من مستوى ذائقتي الجمالية وموضوعية الفكر الذي يثيرني ويشدني إلى دروبه وعوالمه. شخصياتٌ مثل الشاعر الراحل الدكتور عبدالمولى البغدادي والأديب الكبير الصادق النيهوم والصحفي الكبير محمد رجب طرنيش، والشاعر الدبلوماسي عبدالحميد البكوش والدبلوماسي الدكتور محمد حسن البرغثي، والدكتور جمعة عتيقة، والدبلوماسي قدري الأطرش، والأديب منصور بوشناف والأديب محمد الغزالي السنوسي والشاعر الكبير راشد الزبير السنوسي والشاعر محمد المزوغي والشاعر عمر عبدالدائم والشاعر محمد الدنقلي والشاعر سالم العالم وقيصر الصحافة الليبية الأستاذ محمود البوسيفي والأستاذ عمر الكدي والأستاذ عبداللطيف الشويرف والأستاذ علي مصطفى المصراتي والدكتور محمد مسعود جبران والدكتور خليفة التليسي والدكتور الصيد أبوديب والأستاذ سالم الهنداوي، وكذلك الروائيات نجوى بن شتوان وعائشة الاصفر وعائشة ابراهيم وعائشة بازامة وشريفة القيادي والأديبة فوزية شلابي والدكتورة فاطمة الحاجي والدكتورة فريدة المصري والدكتورة هدى العبيدي والشاعرات حنان محفوظ وحواء القمودي وليلى النيهوم وغادة البشاري وآمنة الأوجلي والقاصات عزة المقهور ورحاب شنيب وأسماء القرقني وغيرهم كثير من الشخصيات الأدبية الليبية التي لها إسهامات إبداعية معتبرة في المشهد الثقافي في بلادنا، ونوعية هذه الشخصيات تعكس أيضاً مستوى الذائقة الفنية، وفي نفس الوقت تبرز الروح الوطنية في شمولية الكتابة التي تحتفي بأسماء تمتد على بربوع الوطن كافةً من شرقه إلى غربه ومن جنوبه لشماله.

*ألقيت ورقة في احتفالية النيهوم التي أقيمت بدار الكتب الوطنية ببنغازي وحملت عنوان (النيهوم بين المقال والقصة)، ما هو الأثر الذي تركه النيهوم تحديداً من خلال كتبه ومقالاته في الفنادي ككاتب وقاريء؟

نعم ورقتي (الصادق النيهوم بين المقال والقصة) شاركتُ بها سنة 2009م في الاحتفالية التي أقيمت للأديب الراحل بدار الكتب الوطنية بمدينة بنغازي. وهنا لابد لي من الاعتراف بأنني مثل كثيرين من جيلي كنتُ ولازلتُ مغرماً ومبهوراً بأسلوب ولغة النيهوم الأدبية وما تكتنزه من تماسك ورمزية وأفكار نقدية.

وهو كاتب كبير حاز تقدير واهتمام القراء والأدباء محلياً وعربياً خارج ليبيا، ولكنني رغم هذه المحبة لأسلوب النيهوم الأدبي وتقنياته في الكتابة فإنني لا أتفق معه كلياً في نقده الاجتماعي الساخر، واستخفافه ببعض الشخصيات الليبية الشعبية عند استنطاقها في كتاباته، وكذلك تقلب توجهه السياسي، وبعض نقوده الدينية، وأيضاً سلبية موقفه وعدم تضامنه مع الأدباء والكتاب الليبين حين كان يزج بهم النظام السابق في السجون والمعتقلات. ولكن رغم كل ذلك يظل النيهوم على صعيد الكتابة الأدبية متميزاً بأسلوب سردي متفرد وآسر يخترق الكيان وينقلك من لحظة مرارة وآسى وحزن إلى ابتسامة وضحكة تتسع تدريجياً لتصبح قهقهات مدوية تاركة بصمة وأثراً فارقاً في الفكر والعقل والقلب.

* حلَّت ليبيا والوطن مصدر اهتمامك في كتبك وكتاباتك ودراساتك لماذا تحديداً بعيداً عن أنواع الكتابة الأخرى؟

إن لم تكن ليبيا والوطن هي بؤرة الاهتمام فمن يكون مرادفاً أو بديلاً عنهما أو حتى موازياً ومشابهاً لهما؟ فالوطن باتساع رقعته الجغرافية وبكامل موروثه الأدبي والفكري والثقافي هو أولاً رصيد إنساني يزخر بالعديد من القيم النبيلة والابداعات المختلفة، وثانياً ذلك الإرث يمثل الهوية الأصيلة والمنهل الذي نستقي منه ونغترف محبته وعشقه، وبالتالي تتجلى هذه المحبة وتنعكس في ما ننتجه من كتابات وإسهامات نأمل أن تكون بمستوى هذه البلاد التي ننتمي إليها ونفخر بذلك رغم كل ما يعتريها من أزمات ومحن وأصوات تنادي بتقسيمها أو التنكر لدورها الانساني وطمس صفحات تاريخها المضيئة.

* لماذا اختصَّ الفنادي الأدبَ الأردني بكتاب حمل عنوان (جمالياتُ النصِّ الأدبي)؟

جميل هذا السؤال، وهو يذكرني بالصحفية الأردنية هاجر الطيار التي أجرت معي لقاءً نشر بصحيفة الرأي الأردنية خلال شهر ابريل 2018م والتي بادرتني بسؤالها: ما الذي شدَّك للأدب الأردني؟ ولعلمك فليس الأدب الأردني وحده الذي أصدرت حوله كتابي (جمالياتُ النصِّ الأدبي) بل حتى الأدب التونسي أصدرتُ حوله كتابي (من بستانِ الخضراء) وتناولتُ العديد من النصوص الإبداعية في الأجناس الأدبية: القصة والشعر والرواية والدراسة، ولازال لديَّ مخطوط ٌحول الأدب في سلطنة عُمان أمل أن أتمه ليرى النور قريباً.

أنا أؤمن بإنسنة الأدب والإبداع بصرف النظر عن جنسيته أو موطنه أو مكانه الجغرافي، وفي هذا السياق أصدرتُ (جمالياتُ النصِّ الأدبي) حول الأدب الأردني وكذلك (من بستان الخضراء) حول الأدب التونسي.

* في كتابك (العاشقة الطرابلسية) سلَّطتَ الضوءَ على أدب فوزية شلابي بعيداً عن توجهاتها الفكرية والسياسية هل تعتقد أن أدب فوزية شلابي قد ظلم كثيراً بسبب توجهاتها … وما الذي يميز تجربتها؟

نعم. للأسف بعض الأدباء والشعراء تتم محاكمتهم سياسياً وأيديولوجياً حول نصوصهم الإبداعية وكتاباتهم وإصداراتهم. مثلاً رئيس وزراء ليبيا الأسبق عبدالحميد البكوش أصدر ستة دواوين شعرية ولكنه للأسف خلال النظام السابق أقصي من الظهور في المنظومة الشعرية الوطنية ومعاجم الشعراء الليبيين كما منع تداول وتناول نصوص قصائده الشعرية بالدراسة والنقد.

وكتابي (العاشقة الطرابلسية) حول إصدارات الأديبة فوزية شلابي أرى أنه جاء ليفصل الأدب والشعر عن السياسة، ويتيح الأعمال الأدبية للقراء بصرف النظر عن المواقف السياسية لكتابها ومؤلفيها. وهذا أعده إنصافاً للأدب والشعر قبل أن يكون إنصافاً للأديبة فوزية شلابي التي فعلاً تعرضت نصوصها للظلم بعدم الدراسة النقدية الموضوعية بعيداً عن التوجه السياسي والأيديولوجي الشخصي.

والتجربة الأديبة للأستاذة فوزية شلابي تتسم بالتنوع رغم عدم الغزارة وقلة الإصدارات فهي كتبت الرواية والقصيدة الشعرية والقصة والمقالة النقدية، طبعاً إضافة إلى المقالة الصحفية التي اتسمت بالسياسية. وللعلم ففي كتابي لم أتناول مقالاتها السياسية على أمل أن يضطلع غيري بذلك.

وهذا التنوع الإبداعي يكتسي أهمية في دراسة دوافعه وظروفه وبيئته التي صدر فيها، كما أن موضوعية الكتابة لديها ترتقي بالكلمة والفكر في أسلوب نقدها للموروث الاجتماعي وتطريز نصوصها بلغة شاعرية مبهرة، وكل هذا وغيره يجعل نصوصها تستحق أكثر من دراسة.

* تحرك قلمك السياسي الذي لم يغرد خارج السرب، ولاقى صدى وتجاوباً على جميع الاصعدة .. هل كنت راض على هذه التجربة التي وقفت عند منعطف معين؟

في لقاء حول كتابي (قلمي والسياسة) أشرتُ إلى هذه النقطة المهمة وذكرت بأن الأديب أو الشاعر يعد من النخبة الثقافية في المجتمع، وبالتالي تقع عليه مسؤوليات جسام في الإسهام بالدور التنويري والارتقاء بأفراد المجتمع وزيادة الوعي الفكري بما يحيط بهم من قضايا وطنية وعربية ودولية، ولهذا خضتُ تجربة كتابة المقالة السياسية مبكراً في صحيفة “الجماهيرية” و”الشط” والمنارة” و”أويا” و”فبراير” و”البلاد” و”الصباح” وأزعم أني أسهمتُ بما أمكنني في تسليط الضوء على بعض المواضيع والأحداث السياسية، ونقلتُ وجهة نظري للقراء عبر مقالات الرأي التي كنت أكتبها.

أما مسألة الرضى فأنا على يقين تام بأن الإنسان كلما تجاوز مرحلة عمرية أو إبداعية معينة ويلتفت لينظر إليها من مكانته الجديدة يشعر بعدم الرضى، ويأمل لو تناولها بنظرة مغايرة أو رأي مختلف، وهكذا هي الحياة حين ننظر للوراء نأمل أن يكون الحاضر بمستوى أجمل وأبهى، وهو أساس التطور الإنساني والسعي نحو الأفضل دائماً.

*تناولت أسماء وتجارب دون سواها ما الذي جذبك إلى تناول نتاجاتهم الأدبية؟

كما أشرت في إجابة سابقة في هذا الحوار فإن تلك الأسماء التي ذكرتها تمثل نخبة المجتمع، وتعتبر تجاربها مدارس سيرية توفر الكثير من الخبرات والتوجيهات والإرشادات من خلال محطاتها الحياتية وظروفها الإبداعية، وبالتالي فهي تستحق أن تنقل إلى القراء.

وقد ذكرت في لقاء حول كتابي (العاشقة الطرابلسية) بأنه حتى لو لم أكتب أنا عن أدب وإصدارات فوزية شلابي، فسيتولى غيري هذه المهمة لأن القيمة الإبداعية تكمن في تلك التجارب الأدبية في النصوص التي لازالت بكراً لم تنل نصيبها من الدراسة والنقد والتحليل.

*كل جنس أدبي سواء شعر، رواية، قصة له حالته الخاصة. كيف تتعامل مع كل تلك الحالات كلا على حده؟

لا شك بأن كلَّ جنس أدبي له خصائصه الفنية سواء السردية أو الشعرية التي تحتمها تقنيات الكتابة. ولابد من التأكيد بأن أول ما يستهويني ويشدني في أيِّ نصّ هو اللغة سواء من حيث جماليات صورها الفنية التعبيرية أو سلامتها النحوية، فهذا يعتبر شرطاً وأساسَ استمراريتي في متابعة مطالعة النصّ.

وللأسف تصدمني كثيراً مستويات اللغة الضعيفة سواء من حيث المفردة وفقر القاموس اللغوي أو عدم الالتزام بالضبط النحوي والصرف لدى العديد من الكتاب، وأنا في هذا أتبع تلك المقولة التي تؤكد بأنه (لا يستقيم المعنى ما لم تستقم اللغة). تأتي بعد ذلك عناصر عديدة مثل أهمية فكرة ومضمون النصّ وتعالقاته الخارجية وتقنياته الأسلوبية وغيرها.

* كيف يرى الفنادي النقد أمام هذا الكم من الإصدارات؟

كنتُ ولازلتُ أعارض صفة (الناقد) التي يلحقها بي الزملاء الكتّاب رغم إصرار الدكتورة هدى العبيدي أستاذة الأدب والنقد بالأكاديمية الليبية على جدارتي بها. فأنا أصنفُ كلَّ ما أصدرته في إطار الكتابة الإنطباعية وليست النقدية، لأن الناقد لابد أن يتبع منهجاً نقدياً معيناً من مناهج التفكيكية والتحليلية والسيميائية وغيرها، ولكن الدكتورة حين تجادلني تقول بأن الإنطباعية هي أساس النقد الأدبي. أما رؤيتي للنقد في بلادنا فيمكن القول بضعفه نسبياً لدى الممارسين لأعتماده على المجاملة والمحاباة والعلاقات الشخصية، ويتسم لدى الأكاديمييين بابتعاده عن الوسط. الكتاب الممارسون يغلب على نقودهم المباشرة والتحليل التقريري البسيط، ولا أستثني نفسي طبعاً من هذا، بينما القراءات النقدية الأكاديمية فيها الكثير من المناهج والتحليل العميق ولكنها للاسف تظل حبيسة الأدراج ولا تبني جسور علاقة وطيدة مع المبدعين من الأدباء والشعراء والممارسين من الكتاب، ولا تتشارك في تنظيم ورش عمل للتدرب على النقد وأساليبه، ولا تجمع بشكل دوري مستمر الأدباء والكتاب في حوارات بين الطلبة والأساتذة في الكليات الجامعية للنقاش حول التجارب الإبداعية وكذلك للاستفادة المتبادلة بين الجانبين وتأسيس مختبرات للنقد تعمل وفق برامج دراسية دورية لتناول النصوص الأدبية والتصدي لها بالنقد المنهجي.

أقول هذا مع احترامي لكل الجهود التي تبذل من بعض أساتذة اللغة العربية سواء في الأكاديمية الليبية أو جامعة طرابلس أو جامعة مصراته في هذا الشأن.

شاهد أيضاً

الخدمات العامة طرابلس تشرع في غرس الأشجار داخل الأحياء البرية

  أعلنت شركة الخدمات العامة طرابلس عن البدء في غرس الأشجار داخل الأحياء البرية. يأتي …