منصة الصباح

قِصَّتِي مَعَ نَاشِطَة حُقُوقِيَّة

باختصار

قبل عدة سنوات كنت أحد المدعوين لحضور ندوة اتخذت حقوق المرأة موضوعاً لها… أتذكر وقتها أن إحدى المشاركات أوصت في نهاية مداخلتها بأن تقوم وسائل الاتصال والإعلام الليبية بنشر ثقافة المساواة بين الرجل والمرأة في كل شيء، ثم أكدت على ذلك بقولها: لا نريد أي نوع من التمييز بين المرأة والرجل في ليبيا مهما كان ذاك التمييز. وعندما رأت أن جُل الحاضرات قد تفاعلن معها بالتصفيق وعبارات التشجيع، أنهت مداخلتها بجملة لازلت أذكرها: حقوق المرأة بالنسبة لليبيات ليست سياسية واقتصادية واجتماعية فحسب، بل هي المساواة بالرجل في كل شيء أيضاً.

الحقيقة أني صُدمت بتفاعل الحاضرات أكثر من صدمتي بما سمعت ممن قدموها لنا أنها أستاذة جامعية وناشطة حقوقية… فقلت في نفسي مستغرباً: إذا كانت المتحدثة قد أخطأت أو خانتها ثقافتها أو لغتها فقالت ما قالته، فكيف تصفق لها كل تلك السيدات التي نرى فيهن العلم والمعرفة والثقافة؟ ومع هذا قلت في نفسي: عندما يفتح باب النقاش سأسمع رداً من احداهن على ما قالت زميلتها من مغالطات.

وجاءت فقرة المناقشة، تداخلت ثلاث سيدات كلهن تغزلن فيما تلفظت به الأستاذة، ناهيك عن عبارات الثناء في شخصها؛ لغزارة معرفتها وثقافتها الحقوقية، بل إن احداهن قالتك نحن مع كلام الأستاذة جملة وتفصيلاً.

عندها طلبت الكلمة؛ للتعليق على ما سمعت، شكرت المنظمين على الدعوة، ثم سألت المتحدثة: هل تعي ما قلتي يا أستاذة؟ هل حقاً توصي بالمساواة بين المرأة والرجل؟ وفي كل شيء؟ عندها هدأت القاعة كما لم تفعل من قبل… وتابعت قائلاً: لن أناقشك بالقرآن والسنة النبوية الشريفة، مع علمنا أن بهما تفصيلاً عادلاً ودقيقاً لمسألة حقوق المرأة أكثر من أي مكانٍ أخر، ولكن دعيني أقول لك أن المرأة الليبية نفسها لا تريد فعلياً المساواة بالرجل في كثير من مناحي الحياة، وإلا كيف تفسرين أن كل النساء الليبيات -وحضرتك في مقدمتهن-، عندما تأتي إلى احدى الأماكن المزدحمة، يتم تسبيق المرأة دوناً عن الآخرين فتأخذ حاجتها دون أن تنتظر… فلماذا لا ترفض تسبيقها بحجة مطالبتها بتطبيق مبدأ المساواة؟ أليست المساواة أن تنتظر المرأة كغيرها من المنتظرين؟ أم إن ذلك لا يعد مساواة في نظرك؟، وكذلك عندما تركب سيدة ليبية حافلة للنقل العام فيعطيها أحدهم مقعده لتجلس بدلاً عنه، لماذا لا ترفض تلك السيدة بحجة المساواة بين الرجل والمرأة؟، أليست المساواة أن تظل واقفة كغيرها.

عندها… قاطعتني قائلة: أنت فهمت الموضوع بشكل أخر يا أستاذ… فسألتها: أليست المساواة هي أن تكون في الحقوق والواجبات معاً؟ أم إنك تختارين ما تريدين لتطبقي مبدأ المساواة بين الجنسين وترفضين ما لا تريدين؟، تم تابعت متعجباً: في أي جامعة درستي هذه النظريات؟ تخطت كل الأسئلة، إلا هذا الأخير: قائلةً: أنا لست أستاذة جامعية… أنا ناشطة حقوقية.

لكم أن تتخيلوا وقع هذه المعلومة على الجميع وعلى الحاضرات تحديداً، فالكثير منهن كُن ينادينها بالدكتورة وهي تجيبهن بكل ثقة وافتخار….. عندها عرفت أن اتاحة الفرصة لمثل هذه السيدة للحديث في اللقاءات الثقافية العامة هو من ساعد على غرس عديد الأفكار الغريبة في عقول نساء مجتمعنا الليبي.

د. علي عاشور

شاهد أيضاً

محمد القذافي مسعود ضمن كتاب الشعر العالمي 2024

صدر عن المركز الدولي لترجمة الشعر والبحث، كتاب الشعر العالمي 2024، في طباعته الإنجليزية، وكان …