ظهرت في الآونة الأخيرة مبادرة جديدة أو اتجاه جديد عند رسم السياسات الاقتصادية والتفكير الاقتصادي، عرفت باسم الاقتصاد من اجل الرخاء الشامل (economics for inclusive prosperity) يتزعمها اساتذة اقتصاد من جامعة برنستون، روادها : سوديش نايدو، داني روديك، وجبرائيل زوكمان، بزعامة اتيف ماين، حيت لاحظوا ان السياسات الاقتصادية التي تؤسس فقط على تطبيقات مبادئ نظام السوق أو ما يعرف ب mainstream economic والتي تستبعد أية اعتبارات لا تنسجم وفلسفة اقتصاد السوق واعتبارات الربح والخسارة كمحرك للنشاط الاقتصادي والاستثمار، وترى عدم وجود أي دور للإنفاق الحكومي لتوفير بعض الخدمات وانه يجب عدم تخصيص أي موارد للجوانب الاجتماعية، وأنه ليس من مهام الحكومة توفير الرعاية الاجتماعية للمحتاجين لها ولا جدوى للخدمات العامة، وعدم تخصيص أي موارد في هذا الاتجاه، ولاداتها في الاعتبار الآثار الاجتماعية للسياسة الاقتصادية، قد صاحبها، خلال الستين سنة الماضية، تزايد الفجوة بين طبقات المجتمع أو مايعرف بعدم المساواة inequality وزيادة الفرق بين الحد الأدنى للأجور والحد الأقصى، ومعوقات أمام التحركات الاجتماعية social mobility وعدم العدالة في توزيع الثروات، وزيادة معدلات الفقر، والآثار السلبية الخارجية externalities وعدم توفر المعلومات عن اوضاع السوق الذى يعتمد عليها نظام السوق، وغيرها من القيود و rigidities والتغيرات الديموجرافية ومعوقات أمام تنقل وحركة عناصر الإنتاج . ويرى اصحاب هذه المبادرة، لتجاوز هذه المثالب، أهمية عدم الاقتصار على تخصص الاقتصاد فقط fundamentalists في رسم السياسات الاقتصادية، دون الإخلال بمبادئ الديمقراطية الليبرالية، من خلال اشراك تخصصات أخرى مثل التمويل finance والمالية العامة public finance و علم الاجتماع sociology باعتبار ان السياسات الاقتصادية مجال متعدد التخصصات multidisciplinary بحيث تؤخذ في الاعتبار الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للسياسة الاقتصادية، وهو ما يستوجب ضرورة تكامل دور القطاع الخاص ودور القطاع العام من اجل الرخاء للجميع، دون الإخلال بمعايير الكفاءة.
د. محمد ابوسنية