بقلم / سليم يونس
فـي سياق مواقفها الموغلة فـي عدائيتها للشعب الفلسطيني وقضيتـــه وللشـــعوب العربية التـــي تؤمن بأن القضية الفلســـطينية قضية حق ثابت غير قابل للنقصان، كشـــف وزيـــر الخارجيـــة الأمريكـــي مايـــك بومبيـــو الوجه الحقيقي البشـــع المعروف لدي قطاع واســـع من الشـــعب الفلســـطيني والشـــعوب العربيـــةـ بإقـــدام إدارة الرئيـــس ترامـــب على عمليـــة اغتيال جديدة للقانـــون الدولي ولقيم الحـــق والعـــدل، التبـــرع بإضفـــاء الصفـــة القانونيـــة على المســـتوطنات التي يقيمها قطعان المستوطنين الصهاينة فـــي الأراضي الفلســـطينية المحتلة.
هرطقة أمريكية
هـــذا التصـــرف غيـــر الأخلاقـــي يكشـــف انعـــدام النزاهة بمعناها الفكري والسياســـي في العقل السياسي الأمريكـــي عندمـــا يعلـــن وزيـــر خارجيـــة أمريـــكا العضو الدائـــم في مجلـــس الأمن الذي يفتـــرض أن يكون حريصا علـــى القانـــون الدولي وقرارات مجلـــس الأمن، التي كيفت وضـــع المســـتوطنات المقامة فـــي المناطـــق المحتلة عام 1967 بأنهـــا غيـــر شـــرعية، ليأتـــي وينســـف كل ذلـــك مـــرة واحـــدة ويقول «» بأن المســـتوطنات الإســـرائيلية في الأراضـــي المحتلة “لا تتعـــارض مع القانـــون الدولي”، لأن الســـؤال عندهـــا هل لأمريـــكا قانون دولي خـــاص بها غير القانـــون الدولـــي الذي يعرفـــه العالم؟!
هـــذه الهرطقة القانونيـــة الأمريكيـــة «الخاصة» فيما يتعلـــق بالاحتـــلال في فلســـطين، يدحضهـــا رأي محكمة العـــدل الدوليـــة التي ســـبق وأن قررت ، وهـــي تحكم بعدم مشـــروعية إقامـــة جدار الفصـــل العنصري فـــي الأراضي الفلســـطينية المحتلة عام 1967، في مذكرة رأي صدرت فـــي 2004 إن المســـتوطنات الإســـرائيلية فـــي الأراضي الفلســـطينية المحتلة ومنها القدس الشـــرقية أقيمت في انتهاك للقانـــون الدولي.
بـــل إن المحكمـــة وجهـــت فـــي الوقـــت نفســـه إصبع الاتهـــام إلـــى الإدارة الأمريكية الراعي للكيـــان الصهيوني الخـــارج على الإجمـــاع الدولي والشـــرعية الدولية بالقول « إن مجلـــس الأمـــن لم ينفذ مهامه بســـبب صوت ســـلبي لـــدى التصويت على قـــرارات متعلقة بالجدار « وهو صوت «الفيتـــو» الأمريكي.
ومـــع أن الســـلوك الأمريكـــي قفـــز عـــن ســـبق إصرار وتعمد عن القواعد القانونية والقرارات الدولية، متجاهلا أن التكييـــف القانوني للمســـتوطنات، يجعلها مناقضة لكل المبـــادئ الدوليـــة، وميثـــاق الأمم المتحـــدة (ميثاق جنيف الرابـــع حـــول قوانيـــن الحرب فـــي عـــام1949)، فإنه لا يمكن أن يغير من الوقائع القانونية، وهي أن المســـتوطنات غير قانونية، مهمـــا كان جبروته.
حقائق قانونية
هذه الحقيقة القانونية يشرعها ميثاق الأمم المتحدة الـــذي يضع سلســـلة طويلة مـــن المحظـــورات المفروضة علـــى قـــوة أي احتلال، ذلـــك أن جوهر الميثـــاق (في هذه الحالـــة ) يحظر على المحتل توطين ســـكانه في الأراضي المحتلـــة، وهو ما أعادت التأكيـــد عليه العديد من قرارات الشـــرعية الدولية، ســـواء قرارات مجلس الأمن الدولي أو الجمعيـــة العمومية، ومن ثم فإن خلق الأمـــر الواقع بالقوة لا يمكن أن يكســـب حقا .
وفـــي موضـــوع الاســـتيطان فـــي فلســـطين، صـــدرت مجموعـــة من القـــرارات الدوليـــة التي تؤكد ذلـــك، وتنكر أي صفة قانونية للاســـتيطان، أو الضـــم، وتطالب بإلغائه، وتفكيك المســـتوطنات، بما في ذلك الاستيطان بالقدس.
فبنـــاء المســـتوطنات ينتهـــك حقـــوق الشـــعوب المحتلـــة، المنصـــوص عليها في القانـــون الدولي فيما يخص حقوق الإنســـان. من بين الحقوق المنتهكـــة، حق تقرير المصير، حق المســـاواة، حـــق الملكية، الحق لمســـتوى لائق للحياة، وحق حريـــة التنقل.
ولذلـــك فـــإن مـــا تقوم بـــه ســـلطة الاحتلال مـــن بناء وتوســـيع المســـتوطنات اليهوديـــة فـــي الأراضـــي العربية على حقوق الشـــعب العربي وأراضيه المحتلة يعتبر تعدياً وانتهاكا للقوانيـــن الدولية.
هل أمريكا فوق القانون..!!
وإذا كان الكثير من الفلســـطينيون يعون جيدا أن هذا الســـلوك الأمريكـــي هـــو تعبير عـــن موقف ثابت مســـتقر فـــي الإستراتيجية الأمريكية مـــن القضية الفلســـطينية منـــذ مـــا قبل عـــام النكبـــة، إلا أنه لـــم يكن ليكشـــف عنه بهذه الوقاحة، لولا التهافت الرســـمي الفلسطيني والعربي علـــى تبعيـــة مدفوعة الثمـــن إلى أمريكيا من قبـــل العرب، وتملـــق عربي وإســـلامي للكيان الصهيونـــي، ظنا منهم أنه يمكـــن أن يتحقق بعض « فتات» القضية الفلســـطينية عن طريـــق واشـــنطن، لكن يبـــدو أن هؤلاء تناســـوا؛ أنه ما من شـــيء يمكن أخذه دون موافقة الشـــعب الفلسطيني، الذي لـــن يتنازل عـــن حقه الثابت في فلســـطين، مهمـــا حاولت أمريكا وعربها الرســـميون.
ولـــن نـــرد نحـــن هـــذه المـــرة علـــى وزيـــر الخارجيـــة الأمريكـــي الـــذي يتصـــرف وكأنه فـــوق القانـــون ومحكمة العـــدل الدوليـــة والجمعيـــة العامة ومجلـــس الأمن، ويضع الكيـــان الصهيونـــي الغاصب فـــوق كل الشـــرائع القانونية، بحمايته مـــن مفاعيل الأحـــكام والقـــرارات الدولية، وإنما ســـيرد على موقف الولايات المتحدة المعادي مواقف دول حليفة لها ومنظمات حقوقية اســـتفزها الموقف الأمريكي ، فلم تســـتطع الصمـــت إزاء هذا الســـلوك الأمريكي.
العالم يرد
وإذا كان رد القـــوى التي اســـتفزها الســـلوك الأمريكي ليـــس انحيازا كاملا للقضية الفلســـطينية، ولكنه جاء لأن اســـتهتار الإدارة الأمريكيـــة بالحقـــوق والقانـــون الدولـــي المســـتقر قد تجاوز كل حد، بـــات من غير الممكن القبول بـــه, ولعـــل في الموقف الكنـــدي الـــذي كان يتماهى عادة فـــي الموقـــف الأمريكـــي، ليكشـــف الموقف الكنـــدي إلى أي حـــد وصلت العدائية الأمريكية للقضية الفلســـطينية، حتى أنه اســـتفز كندا؛ وجعلها تصوت لصالـــح قرار الأمم المتحـــدة، لدعم حق الفلســـطينيين فـــي تقرير المصير.
فيما رد المتحدث باســـم مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنســـان روبرت كولفيل علـــى الموقف الأمريكي بالقول « إن تغير الموقف السياســـي لدولـــة لا يعدل القانون الدولي القائـــم ولا تفســـير محكمة العدل الدوليـــة ومجلس الأمن له“.
وكان قـــد أكد في إفـــادة صحفية بجنيف موقف الأمم المتحـــدة بقولـــه ”ما زلنا نتبـــع الموقف الثابـــت منذ فترة طويلة للأمم المتحدة بأن المســـتوطنات الإسرائيلية تمثل خرقا للقانون الدولي“.
وأضـــاف ” كولفيـــل إن اتفاقيـــة جنيـــف الرابعـــة لعام 1949-التـــي وقعـــت عليهـــا كل مـــن الولايـــات المتحدة وإســـرائيل- تنـــص علـــى ألا تنقـــل قـــوة احتلال ســـكانها المدنييـــن إلـــى الأراضـــي التـــي تحتلها.
وبدورهـــا اعتبـــرت منظمـــة العفـــو الدوليـــة فـــي ســـياق ردهـــا على الخطـــوة الأمريكيـــة ، أن بنـــاء وتجهيز المســـتوطنات في الضفـــة الغربية المحتلـــة، بما في ذلك القـــدس الشـــرقية، ينتهـــك القانـــون الدولـــي ويرقـــى إلى مســـتوى جرائم الحـــرب».
وقالـــت المنظمة إن الســـلوك الأمريكي يبعث رســـالة لبقيـــة العالم «أنها وإســـرائيل فوق القانون: وأن إســـرائيل يمكنهـــا أن تســـتمر فـــي انتهـــاك القانون الدولـــي وحقوق الإنســـان الخاصة بالفلســـطينيين وأن الولايـــات المتحدة ســـتدعمها بقوة فـــي ذلك».
وأكـــد أندريـــا براســـو القائـــم بأعمال مديـــر منظمة هيومن رايتس ووتش في واشـــنطن في بيان له أن ”هذا لا يغير شـــيئا. الرئيس ترامب لا يمكنه أن يمحو قانونا دوليا راســـخا منـــذ عقـــود يفيد إن بنـــاء وصيانة المســـتوطنات يمثل انتهاكا للقانـــون الدولي ويصل إلى حد جرائم حرب.
وأكـــد الاتحـــاد الأوروبـــي بـــدوره اســـتمرار موقفـــه الرافض لأنشـــطة الاســـتيطان الإســـرائيلية، الـــذي يعتبر أن جميع المســـتوطنات غيـــر قانونيـــة وأوضحت الممثلة العليـــا للاتحـــاد الأوروبـــي للشـــؤون الخارجية والسياســـة الأمنيـــة، فيدريكا موغرينـــي، أن موقف الاتحـــاد الأوروبي «واضـــح ولم يتغير من سياســـة الاســـتيطان الإســـرائيلية فـــي الأراضـــي الفلســـطينية الخاضعة للاحتـــلال، داعية إســـرائيل إلى إنهاء جميع أنشطتها الاستيطانية، في إطار التزاماتها كقـــوة محتلة.
وأضافت: «جميع الأنشـــطة الاستيطانية غير قانونية بموجـــب القانـــون الدولي، وتلحق الضرر بحـــل الدولتين».
وأكـــدت اســـتمرار الاتحـــاد في دعـــم مبدأ حـــل الدولتين، باعتبـــاره الحل الوحيـــد القادر على الاســـتجابة لتطلعات الطرفين المشروعة.
أمريكا ليست قدرا
وأخيـــرا يمكـــن القـــول إن كل ردود الفعـــل الواســـعة الرافضة للســـلوك الأمريكي، وأيضا من دول طالما كانت تقـــف في الخنـــدق الآخر، تشـــير إلـــى أن هـــذه المواقف يمكـــن البناء عليها، ومحاصرة الموقـــف الأمريكي ، ووعي أن الولايـــات المتحـــدة ومعهـــا كيان الاحتلال لا تســـتطيع أخـــذ مـــا ليس لهـــا، أو تفرض على الشـــعب الفلســـطيني ما لا يقبله مهما حاولت، لأن الســـلوك الأمريكي لا ينشـــئ حقـــا للاحتلال، هـــو مخالف لكل القوانيـــن ، وفي المركز منها أن فلســـطين هي أرض عربية فلسطينية طال الزمان أم قصر.