منصة الصباح

“بعض ذلك المسك ” تصدر قريبا

حنان علي كابو/ الصباح

انهمكت الروائية الكاتبة خيرية عبد الجليل خلال الفترة الممتدة من 2023 إلى بداية 2024م، في كتابة روايتها الجديدة التي ستصدر قريبا عن دار الجابر للنشر والتوزيع الموسومة “بعض ذلك المسك ” وكان تصميم الغلاف من نصيب عمر حمدي ،والتنسيق والإخراج لهيلانا حنا .

وتقع الرواية في 185صفحة في مقدمة الرواية التي كتبها الناقد الدكتور عبد الحكيم المالكي نقرأ فيها …
“تتكون رواية بعض ذلك المسك من حكايتين بينهما مدة زمنية طويلة، تم الربط بينهما عن طريق سرد الجدة للحفيدة؛ تلك الجدة التي أظهرت الرواية كمالها ودقتها وحسن تصورها للحياة؛ حيث نجحت الكاتبة عبر توظيف شخصية الجدة في الدمج بين عالمين: عالم فتاة تعيش في مدينة ليبية بداية الثمانينات ومرت بالظروف التي يمر بها الطلاب والطالبات في ذلك الزمن من تدريب عسكري في المدارس وتحولات مجتمعية مختلفة تعيشها الأسرة الليبية وأحلام شباب مراهق تائه، بينما العالم الثاني هو عالم النجع وحياة الجهاد وجرعة من تاريخ ناصع مميز، تم تقديمها بشكل فني دقيق، وضمن لعبة سردية خاصة.

ذلك أن أ. خيرية، كما قلت حولها سابقا في دراسة لقصتها (فتات الخبز)، تمتلك القدرة على الدوران في المناطق الضيقة وقد كانت في تلك القصة تتناول لحظات خاصة لشخصية عجوز تعيش آخر أيامها؛ حيث وظفت تقنيات السرد ومنها التأطير في تقديم لوحاتها، كما وظفت نهج التواتر من السرد وهي تقدم اللوحة الأولى مصحوبا بالأفعال المضارعة التي تعكس ديمومة ذلك الفعل اليومي المتألم لشخصية العجوز التي تعيش لحظاتها الأخيرة.

الميزة الأهم في كتابتها، بشكل عام، وفي رواية بعض هذا المسك، بشكل خاص، قدرة راويها على استبطان وعي الشخصيات والتعبير بشكل غير مباشر عنها، والقدرة على تقديم سرد يمتطي لغة مناسبة للشخصية ووعيها.
استبطان وعي الشخصيات يتم مع تلك القدرة على التنويع في تلك الشخصيات؛ فهي تتحرك بين شخصية المراهقة الشابة التي تمر بأزمة نفسية في روايتها (اختلاس ذاكرة غير صلبة)، وهي شابة ذكية حديثة تتعامل مع المكونات العصرية لجيل المراهقين هذا الزمن، إلى شخصية تعيش الرتم البطيء لحياة الشباب زمن الثمانينيات في ليبيا؛ حيث الحركة بطيئة، والاتصالات محدودة، وبينهما ومن خلالهما نجحت في تقديم شخصية إنسانية مميزة بكامل حضورها، شخصية شابة مراهقة مقنعة ومنطقية دون تفريط أو إفراط، شكلت تلك الشخصيات ضمن الفضاء المديني وهي تتحرك هنا وهناك ضمن ما هو متاح في زمنها، هذا من زاوية، بينما من زاوية أخرى نجد لديها القدرة المميزة على تشكيل باقي الشخصيات، تابعنا الحضور المميز لشخصية الجدة في هذه الرواية، هذه الجدة وكافة مكونات زمنها وهو ما جعلها تستفيد من حضورها في النجع وكافة مكونات ذلك النجع، وجعلت الجدة، وهي تحكي، ترصد قصصا بين الطبيعي والغرائبي، مع توظيف إبداعي للصورة الحواسية بعفوية وتميز، بحيث صار لها حضورا مجسما مشموما أو مسموعا أو ملموسا.

في رحاب هذا المسك نص كبير وكاتبة من طراز رفيع، كاتبة ليبية تستطيع أن تستحضر تفاصيل مميزة، تفاصيل واهية في صغرها، وفي رحاب هذا المسك حكايات ومغامرات عفيفة نقية طاهرة من عبق روعة المكان وروعة من يتنفسون هواء ذلك المكان، وفي رحاب هذا المسك تقديم رحلة الجهاد وحياة أهلنا في الجبل بشكل رائع، رغم قساوتها، هذه الحياة وتلك الظروف قدمت من وعي تلك الجدة التي كانت الحفيدة تؤطرها وتحسن تقديمها.

كما نجدنا ونحن نسترجع مع تلك البطلة، الفتاة، ذلك التاريخ الذي تقاسمنا نحن الليبيون عيشه، زمن العسكرة والتجنيد في المدارس، بحيث لا نشعر بأي انفصال بيننا وبين تلك الفتاة المتكلمة التي كانت تؤطر الأحداث من وعي تلك الفتاة، ربما لأننا عشنا نفس التجارب الكسيرة البائسة في ذلك الزمن وبعده.

نص حقيقي نابض بالحياة مميز ورائع، وكاتبة متمكنة من أدواتها قادرة على العطاء والإنتاج، كاتبة أعتقد أنها ستنتج نصوصا كثيرة رائعة، وستكون، بعون الله، قادرة على استحضار وهضم وإعادة انتاج تلكم الحكايات الواهية في صغرها وبساطتها مع الحكايات الكبرى عن الجهاد ودخول الغرباء والشكوك؛ كاتبة تنحت من متخيل صامت فتجعله حيا على الورق.

وليعذرني القارئ فدور المقدمة التلميح لا التصريح، ولعله يجد في هذا النص المميز ما هو أوسع وأدق مما قلته.”

شاهد أيضاً

فتنة الورّاق في طبعة جديدة

صدر هذا الأسبوع في طبعة جديدة «فتنة الورّاق… من تراث نقد الفكر الديني في القرن …