سنحتاج إلى وقت للتأمل حتى ننتج مشروعا ثقافيًا يليق ب 7 أكتوبر
هو من الأسماء التي دوّنت تاريخ فلسطين الشِّعري، وصنعت واقعًا موازيًا يؤكد على أن الأرض ستعود لأهلها وسينهزم المحتلّ، مع نصوصه سنغوص في أعماق المعنى الممزوج بالخيال والواقع والتاريخ وحكايات الأوّلين، لا يحتاج لتعريف كبقية الشعراء، يكفي أن تذكر اسمه فقط، في أي احتفالية شعرية أو فكرية، فهو الاسم الذي أصبح علامة فارقة في الشعر العربي عامةً والشعر الفلسطيني خاصةً، إنه الشاعر الكبير موسى حوامدة، الذي يملك رؤية شمولية عن قضيتنا “القضية الفلسطينية”، لذلك كان ضروريًا أن نسمع ونرى ونقرأ آراءه، خاصةً بعد طوفان الأقصى الذي أعاد القضية الفلسطينية إلى الواجهة عربيًا ودوليًا.
وقد أجرت منصة الصباح لقاءً مع الشاعر الفلسطيني الكبير موسى حوامدة، وجاء كما يلي:
تقول في قصيدة “لن ينتهي اسم فلسطين، سأربحُ الحربَ لأن الطينَ بيتي/ والبحرَ جاري/ والنجومَ شقيقاتي الغافلات/ والسماء ستدركُ فحوى رسائلها/ لم ينته الكلام من دفتر الحياة/من ألوان الصغار/ وأحلام الجدات/ ولن ينتهي اسم فلسطين”، هل نستطيع تسمية هذه القصيدة بالنبوءة ونحن نرى اليوم أن اسم فلسطين يعود للواجهة بقوة وأنه لم ينتهي كما تقول القصيدة؟
دعني أضع القصيدة كاملة هنا وسوف أجيبك بعد قراءتها :
لن ينتهي اسم فلسطين
لم ينتهِ الكلامُ لأجدِّل حبائلَ الصمت
وأمشطَ شعرَ اليقين
لم ينتهِ الوقتُ لأكسرَ ساعة الزمن
أرمي بها في سلة الفراغ.
لم ينته العمر
لأضع رأسي عند مقبرة القنوط
وأربط جسدي بوتد الهزيمة.
لم تحترقْ روما
لأجلد نيرونَ بسوطِ الجنون.
لم ينته الكلامُ
لأغلقَ فمي بقماش الخيبة
أشطبَ اسم بلادي من أطلس الجزيرة
وأدفعَ الجزية للعابرين.
سأربحُ الحربَ لأن الطينَ بيتي
والبحرَ جاري
والنجومَ شقيقاتي الغافلات
والسماء ستدركُ فحوى رسائلها.
لم ينته الكلام
من دفتر الحياة
من ألوان الصغار
وأحلام الجدات
ولن ينتهي اسم فلسطين.
لم ينته الكلام
لأقصَّ جديلة أمي
وخطواتها فوق تراب البلد
وآثار أجدادي
على حيطان البلد
وجبال البلد.
لم ينته الكلام
لأقرَّ للمحتلِّ أن الحكايةَ وصلتْ لطريق مسدود
وأن المدينة ضاعت للأبد.
لن ينتهي الكلام
لأنشدَ الشعرَ في زَوَال الأبد
وفراغ يوم الأحد
من عطلته
وبدايةِ تاريخ السبت
في هيكلٍ أو معتقد.
لم يبتدئ الكلام
كلامي بعد
ليكتبَ المهزومُ في النهاية أعذارَه.
سأكتبُ طالما ظلَّ في دفتر الشعر حرفٌ واحدٌ
وظلَّ في خزانة الله مدد
وأصيح في آذان الدهور والمجرات:
هذي البلاد بلادي
مذ خلق الله كونَه
وكان واحدًا أحدْ.
26/7/2012
كتبت هذه القصيدة قبل اثني عشر عامًا، بعد أن رأيت ملامح الربيع العربي، وشعرت أن فلسطين لم تعد أولوية للكثير من العرب وحتى الفلسطينيين، ولم أرى تلك الشعارات التي كانت ترفع في الميادين والساحات العربية تشير إلى فلسطين أو إلى الهوية العربية، (ولن استخدم كلمة وحدة عربية والتي صارت تدعو للسخرية بسبب تردي الوضع السياسي للعالم العربي)، حتى أن جملتيّ “تحرير فلسطين” أو “الوحدة العربية” صارتا كأنهما من مخلفات الماضي، وصار وجود سلطة فلسطينية بلا سيادة مقبولًا عند الكثيرين، وصار السبت المقدس بديلًا حتى عن يوم الجمعة والأحد، وكأن العالم تناسى شعب فلسطين وقضيته وقال له اذهب أنت وربك فقاتلا، هذا ما دفعني لكتابة القصيدة.
وإن كنت بصراحة قد فوجئت بهذا المقطع الذي ذكرته، وحتى عندما كنت أقرأها في بعض الأمسيات كان صوتي يكاد يخفت عند هذا المقطع فربما يتندر البعض عند سماعه، فقد صار حديث خرافة، أو كلامًا عتيقا.
الحقيقة أن القصيدة هي التي قالت هذا المقطع ولم أكن أخطط لقوله أو كتابته، لكن الأمل كان يربض داخل الروح رغم مرارة الواقع والحياة التي عشتها وعاشتها فلسطين، ولعل هذا الأمل الخفي أطلَّ برأسه في هذه القصيدة، مدركًا أن عودتها لن تكون مستحيلة، ولعل هذا تحقق في 7 اكتوبر أو سيتحقق في أيام قادمة لكنه قادم على الأقل في مخيلتي الشعرية، وحلم الطفل والمقاوم الفلسطيني.
غيّرت عملية “طوفان الأقصى” المفاهيم لدى الغرب على عدة مستويات رسمية وشعبية، لصالح القضية الفلسطينية، كيف ترى هذا التغيّر الكبير والتاريخي إن صحّت التسمية وكيف يجب استثماره “ثقافيًا وفكريًا” والحفاظ عليه؟
الغرب هو سبب هذه الكارثة التي حلت بالشعب الفلسطيني منذ أكثر من قرن وحتى اليوم، وتغير مستوى الخطاب لدى العديد من المستويات الشعبية والثقافية لا بد أن يغيّر الكثير، فمن كان يتوقع أن اسبانيا الرسمية الاستعمارية التي ما تزل تحتل سبتة ومليلة ستنصاع لإرادة جزء كبير من شعبها وتأخذ قرارا منفردا عن الاتحاد الأوروبي بالاعتراف بدولة فلسطينية، هناك تغيير لكن لن نستطيع كعرب استثماره، لعدم وجود مناخ عربي مؤمن بذلك، كما أن القرار الرسمي العربي صار أضعف من البناء عليه، لكن هذه التحولات سوف تؤتي أكلها إذا ما استمرت المقاومة وهذا الزخم العربي الشعبي المؤيد لها.
كيف ترى واقع الشعر الفلسطيني اليوم بشكلٍ عام..؟
الشعر الفلسطيني تعرض لتدخلات السياسة والفصائل وصار محصورا في بعض الأسماء، وتراجع دوره بسبب تراجع مناخ الحرية ومشروع التحرير، وهيمنة السلطة على الحياة الثقافية نوعاً ما، وهو اليوم يحاول اللحاق بما جرى في 7 أكتوبر لكنه لم يستطع بعد إيجاد الطريقة والشكل والأسلوب. وقد يستغرق ذلك وقتًا أطول حتى تظهر هذا التحولات المفاجئة.
كيف تقرأ الحراك العربي “سياسيًا” بعد طوفان الأقصى؟
هناك تحركات عربية جماهيرية كادت تتواصل لكن النظام الرسمي العربي حاصرها، خشية التأثير والتغيير في واقع الحياة العربية، لكن هذه التحركات وإن كمنت الآن لن تفقد الأسلوب والوسيلة لاجتثاث جذور الكثير من الكيانات العربية القُطرية، وإعادة تصويب البوصلة لخلق مشروع عربي تحرري كبير وعميق. وكما أثرت النكبة عام 48 والنكسة عام 67 في تغيير الكثير من الأنظمة، سوف نجد مستقبلاً تحولات عميقة سيشهدها العالم العربي لا نعلم كيف ستظهر وتتراكم، لكنها قادمة حتمًا، ولعل ربط تحرير فلسطين بمشروع تحرري عربي موحد خلال النصف الثاني من القرن العشرين لم يكن عبثيًا.
نعرف تمامًا أن ما قبل السابع من أكتوبر يختلف عما بعده، هل ينطبق هذا على النص الشعري الفلسطيني، لكونه أحد العناصر الأساسية في تاريخ القضية؟ وهل يمكن أن تُورّخ مرحلة شعرية جديدة؟
نظريًا صحيح، ولا بد أن يكون كل ما نكتب بعد هذا الزلزال الكبير مختلفًا عما كتبناه من قبل، لكنني على المستوى الشخصي لم أستطع الكتابة منذ وقع الزلزال، ولعل ما يعزيني قليلًا أن فيما كتبته سابقًا ملامح مما يحدث اليوم، لكن هذا ليس كافياً، وأتفق معك أن الشعر وكل أنواع الأدب سوف تتأثر بهذا الحدث الكبير، وربما نحتاج إلى وقت ومساحات للتأمل حتى ننتج مشروعا ثقافيا وإبداعيا يليق ب 7 اكتوبر على كل الأصعدة.
لو أُتيحت لكَ الفرصة لإلقاء كلمة باسم الشعب الفلسطيني بمقر الأمم المتحدة اليوم، ما الذي ستقوله للعالم؟
سوف أحكي لهم تاريخ أسرة فلسطينية واحدة، اقتلعت من جذورها منذ سنوات بعيدة وتعرضت لضياع مكانها وأرضها وتم تشريد أفرادها وقتل بعضهم، ومنذ قيام هذا الكيان الهمجي وحتى اليوم تعاني هذه الأسرة من الاضطهاد والاحتلال الاستيطاني، والتطهير العرقي وحرب الإبادة الجماعية، والشتات والمنفى، وأن على الأمم المتحدة واجب إلغاء قرار التقسيم الذي صدر عام 1947 والاعتراف بفلسطين كاملة من البحر الى النهر وبحق شعبها في الحرية والعيش فوق تراب وطنه، وكما تراجعت الأمم المتحدة عن الكثير من قراراتها يجب أن تعدل الخطأ التاريخي الذي وقعت فيها قبل ستة وسبعين عامًا وتنصف هذا الشعب، وتلغي تصورات الغرب الاستعماري عن حقه في منح أرض البشر لمجموعات إثنية طارئة على التاريخ وعلى الحياة تحت أي ذريعة ومصلحة.