لم تعد الحياة في واقعنا اليوم، تعتمدُ فقط على الأساسيات في الأكل والشرب وبقية اللوازم المعروفة، كما كانت قبل التقدّم التقني الكبير، لأن متطلبات الحياة اليوم أصبحت أكثر تعقيداً، مع تقنية الهواتف الذكية، وتقنية كروت الشحن الرقمية..
وهذه الكروت الرقمية، لا تعترف بالمستوى المعيشي لأي طبقة من طبقات المجتمع، بل كل ما تعترف به، وترغب فيه، تغذيتها بما هو مطلوب، وبشكلٍ مستعجل لا يقبل التأجيل، وهذا يستنزف كل قرش يتم صرفه بطريقة “إجبارية” لأي إنسان، يجد نفسه مُجبرًا على تحمّل متطلبات هذه البطاقات الذكية، وهذا ما حدث مع “شريف” بطل فيلم “كرت شحن”..
داخل المول، يدخل “شريف” مع زوجته وابنته، يقابل رجلاً غامضاً، ويطلب منه أن يدخل السحب على ثلاجة.. بعدها بدقائق يكتشف “شريف” أنه ربِح الثلاجة، لكن الفرحة لن تكتمل، ولا يعرف أن هذا الربح سيكون مفتاحًا رئيسًا لخساراتٍ أكبر..
بعد فرح الأهل بالثلاجة، يدخل “شريف” وزوجته إلى غرفة النوم بعد يوم شاق، وهنا تأتي المفاجأة: الثلاجة الذكية تتكلم، ولها مواعيد خاصة بفتح أبوابها، وأيضًا لها مميزات تعرف من خلالها صلاحية الأكل الموجود داخلها، إضافة إلى أنها تستطيع معرفة النواقص، والاتصال بالمراكز التجارية لتوفير ما يلزم، دون الرجوع لصاحبها “شريف”..
يكتشف صاحب الثلاجة “شريف” أنه تورط فيها، عندما يتفاجأ بأحدهم يرن جرس بيته، ليُخبره بأن طلباته تم توفيرها وعليه أن يدفع ثمنها، وهي الطلبات التي طلبتها الثلاجة الذكية..
وتتوالى من بعدها الأحداث، التي تُظهر “شريف” وكأنه يعيش خارج الزمن، حين يخبره أحد المتسولين، أن طريقة مساعدته يجب أن تتم عبر كرت شحن “خاص بالتسوّل”، ثم مع الباص، ومن بعدها الحمّامات العمومية، كل شيء أصبح مرتبطًا بالكرت “البطاقة الذكية” كل شيء في الحياة اليومية..
الفيلم الكوميدي كشف حقيقةً، قد تكون غائبة عن واقعنا اليوم لدى البعض، وهي أن التطور التقني لا يتناسب مع حياتنا، في ظل الأزمات الاقتصادية، وتدّنّي الأجور، وارتفاع الأسعار، والانفتاح اللا محدود على كل شيء..
وما يزيد الأزمة سوءًا، أن هذه التقنيات أصبحت من الضروريات لا الكماليات، كما كانت قبل عقود مضت..
صراعٌ جديد، بأدواتٍ تتغذَّى على تعب وأحلام البشر بطرق خطيرة، عبر ترسيخ فكرة أن الحياة تغيّرت، ويجب أن ننصاع مع كل تغيير، بدءًا من الهواتف الذكية، التي لم تعد هواتف للاتصالات أو للتصوير، إنما للاستعراض الاجتماعي عبر مواقع التواصل، التي فتحت عوالم كُبرى للجميع، من طرق الربح السريع عبر تطبيقاتٍ لا مصدر لها، إلى “الانستغرام” الذي يمنح جُرعاتٍ مضاعفة من البذخ “المستحيل”، عبر نشر صور السيارات الفارهة، والبيوت الفاخرة، وسط وجوه ترتدي أغلى “الماركات” من ملابس وأحذية واكسسوارات..
كل شيء مرتبطٌ بهذه التقنيات الذكية جدًا، والتي أصبحت تفهمنا أكثر مما نفهم أنفسنا، وكل هذا بدأ مع هوسنا ب”فيسبوك وتويتر X” وبقية مواقع التواصل، التي تملك بياناتٍ رسمية عن كل صغيرة وكبيرة في حياتنا، ومن خلالها بدأت تقنية البطاقات الذكية “كروت الشحن”، التي بدأ التخطيط لها عبر مواقع التواصل، من خلال احتياجاتنا اليومية التي تتضاعف كل يوم وكل لحظة، مع التقدّم التقني الذي لا يعترف بالأوضاع الاقتصادية أو الأزمات، التي تُحاصر مجتمعاتنا..