بقلم : آمنة الهشيك / أستاذ قانون .
ينظم أحكام الحبس الاحتياطي المادة (115/الفقرة الأولى) من قانون الإجراءات الجنائية الليبي حيث حددت الشروط اللازمة لإصدار أمر الحبس الاحتياطي بأن لا يصدر إلا من سلطات مختصة حددها على سبيل الحصر بعد مرحلة الاستجواب ، فلا يأمر به إلا في الجنايات عموما وفي الجنح المعاقب عليها بالحبس مدة تزيد على ثلاثة أشهر ، وأن تكون هناك دلائل كافية على إدانته وذلك بحسب السلطة التقديرية لجهة التحقيق . كما توسع أكثر في الفقرة الثانية أنه يكون الحبس عموما في الجنح إذا لم يكن للمتهم محل إقامة ثابت.
كما أجاز القانون الليبي أنه يجوز لجهة التحقيق التمديد في حالة عدم الانتهاء من التحقيق وما زاد الأمر تعقيدا هو السماح بالتمديد إلى حين انتهاء التحقيق وعدم وضع سقف محدد وهذا ما نصت عليه نهاية فقرة المادة (177)من قانون الإجراءات الجنائية “إذا كانت ظروف التحقيق تستوجب ذلك ” ! والواقع أن التوسع في الصلاحيات الممنوحة لجة التحقيق كان يجب أن يصحبها منح ضمانات أوسع للمتهم !
فمن خلال الدراسات الميدانية للسجون أكدت أن عدد المحبوسين احتياطيا يفوق عدد المحكومين .وما أكدته تقارير ” اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان” أن السجون تعاني من اكتظاظ شديد ،بسبب الإفراط في أوامر الاحتجاز، وهذا يشكل انتهاك لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية التي أحاطت المتهم بضمانات أثناء مرحلتى التحقيق والمحاكمة، باعتبار أنه الطرف الأضعف في الخصومة الجنائية ، إلى جانب أن الازدحام داخل السجون يعيق عملية إصلاح وتأهيل المحكوم عليهم وما تقره نصوص القانون .
كما لا يخفى علينا عواقب هذا الإجراء على كل متهم ينتظر الحكم أصبح أشبه بانتظار الموت.
فما مصير المتهم بعد حبسه شهور أو ربما سنوات على ذمة التحقيق إذا تبين في ما بعد براءته من التهمة المنسوبة له أو كانت مدة الحبس الاحتياطي تفوق مدة العقوبة المحكوم بها ؟
وما يترتب عليه من آثار سيئة ليس على حريته ووظيفته وسمعته فحسب ،أيضا على مصير عائلته . لا سيما وأن الجهات المخولة قانونا بإصدار أوامر الحبس هي تمارس هذه السلطة تحت مظلة القانون .
لذلك لابد من إدخال تعديلات جوهرية بوضع آلية توازن بين حق الدولة في ملاحقة الجناة ، وتحقيق المصلحة العامة وتوفير الحماية اللازمة لمصلحة المتهم ضد أي تعسف يصدر عن السلطات الإجرائية المختصة أثناء مباشرة عملها، فالأصل في المتهم البراءة ،وإدراج نصوص تتضمن بدائل للحبس الاحتياطي مثل نظام المراقبة الإلكترونية لما لها من فعالية ذلك على غرار التشريع الفرنسي والإماراتي وأن لا يتم اللجوء للحبس إلا للضرورة على أن يكون له أسباب واضحة تبرر إصداره و تمديده كما نص على ذلك المشرع المصري المادة (136) إجراءات جنائية، بحيث يراعى فيه خطورة الجريمة .