جمعة بوكليب
زايد…ناقص
لا أعرفُ شخصياً المدعُو السيد لاندو نوريس، ولم يسبق لي رؤيته أو سماع اسمه. لكنّي واثقٌ جداً أنَّ عشاقَ سباق سيارات “فورميولا ون- Formula One” العالمية يعرفونه حق المعرفة. والحقيقة التي لا أستطيع اخفاءها، أنني سُعدت جداً مؤخراً بشرف التعرّف على السيد نوريس، خلال الأيام القليلة الماضية، بعد أن رأيت صورته، منشورة على الصفحة الأخيرة في صحيفة التايمز اللندنية. الصورة لافتة للنظر، كونها احتلت قرابة ثلثي الصفحة. وظهر فيها السيد نوريس مطروحاً على قفاه، ومحمولاً عالياً في الهواء على أيدي زملائه وأصدقائه في الفريق، رافعاً قبضتيه في الهواء، وابتسامة فوز مبين تضيء ملامح وجهه.
” لاندو يفوز أخيراً” كان ذلك عنوان الخبر في أعلى الصفحة، وقد طبع بأحرف كبيرة تليق بالمناسبة. تفاصيل الخبر مهمة أيضاً، ومنها عرفت أن لأندو نوريس رياضي في سباق السيارات، فاز أخيراً بسباق سيارات “ميامي جراند بري” في ولاية كاليفورنيا الأمريكية. وأنّها، وهذا المهم، المرّة الأولى التي يفوز فيها بالمرتبة الأولى بعد مشاركته في عدد 110 سباقاً.
ويضيف الخبر، أن السيد لاندو نوريس سبق له الصعود على منصة الفائزين الأوائل عدد 15 مرّة، من دون أن يحظى بشرف لقب الفائز بالسباق. أي أنه كان من ضمن الثلاثة الأوائل. وأنه في السباق الأخير، تمكن من هزيمة البطل الحالي وبطل الأعوام السابقة. وفي ختام الخبر ورد تصريح للسيد لاندو قال فيه:” مرَّ وقت طويل على تحقيق هذا الفوز، لكني أخيراً تمكنت من تحقيقه.”
الفوزُمفردة مالوفة، كثيرة التردد في قاموسنا الحياتي اليومي. وهي مفردة تُنعش القلب، وترفع المعنويات، وتُبهج الانسان وتزيده اصراراً على المثابرة والكد والاجتهاد.
الفوزُ جميل وبهيج في كل شيء، كونه مرادفاً وقريناً للنجاح. والنجاحُ، كما نعرف، أجمله ما يأتي بعد مثابرة ودأب وجهد، “ومش بالدف.” وأجمل ما في فوز السيد لاندو نوريس، وهو بريطاني الجنسية، أنّه كان درساً مفيداً، لكل انسان يود النجاح في حياته. بمعنى أنه جسد القول المأثور: بالإمكان أبدع مما كان.
كثيرون غير السيد نوريس، ربما كانوا فرائس سهلة للاحساس بالفشل، وتنتابهم الخيبة ويمضغهم الاحباط، بعد اخفاق المرّات الأولى. لكنّه، باصرار وبثقة في النفس، ومثابرة في التدريب، واصل طريقه، لأنه كان يرى هدفه بوضوح، ويعرف كيف يمكنه الوصول إليه.
حلاوةُ النجاح، لمن صادفهم حسن الحظ وتذوقوها، قد لا تعادلها حلاوة أحلى عسل، وربما لا تقارن بأي شيء آخر، وفي ذات الوقت لا تُنسى. وأتذكر مثلاً شعبياً انجليزياً، كان من أول الأمثال الانجليزية التي تعلمتها، يقول:” إذا لم تنجح في المرّة الأولى، أعد المحاولة ثانية.”
ربما تتاح لي مستقبلاً فرصة لقاء السيد لاندو نوريس في مدينة ما، في بلد ما. وإن حدث ذلك، وهوغير متوقع، ساسرع من خطوي متقدماً نحوه براحتين ممدودتين لمصافحته وتهنئته على الفوز أولاً، وثانياً على الدرس الذي علّمني إياه، وأنا في عمر أبيه أو أزيد.
الفوزُ والنجاحُ ليس هبةً تُمنح ” ريقالو” على سواد العيون. وأنّه لا يهطل فجأة مثل مطر من سماء. ومن يريده لابدّ له من العمل والعمل والعمل بلا كلل، ويجعل من الأمل رفيقه وصديقه في الرحلة. ومن لا يود الفوز والنجاح، بأن يشعر بثقل المهمة، هو كمن لا تغويه مشقة صعود الجبال، وليس أمامه سوى القبول راضياً بالعيش أبد الدهر بين الحفر، كما قال يوماً شاعر تونس العظيم،الراحل أبوالقاسم الشابي، رحمه الله.