بقلم / جمال الزائدى
يكره الساسة سيرة الإيطالي «نيكولو ميكيافيلي» ليس لأنه جرد الفكر السياسي – كما يزعمون – من الأخلاق والقيم في تحليله لآليات الحكم وأساليبه ..لكن لأنه بحركة غير مهذبة وغير ملتزمة بالإيتيكيت الأرستقراطي ، أزاح غلالة الوهم التي كانت تحيط السلطة بضروب من القداسة الأسطورية ربطتها في بعض العصور بالسماء ورفعت من رتبة أصحابها إلى مافوق مرتبة البشر ولونت دماءهم بالأزرق تمييزا لها عن دماء العوام ..
الميكيافللية لم تجترح جديدا وكل ماقاله صاحبها أن الأرض تدور ، وبالتأكيد ليس هو من أمرها بالدوران وليس هو من وضع سببية دورانها … في كتاب الأمير لانطالع فكرا متعاليا من أي نوع ولا ايدولوجية تدعي امتلاكها تفسيرا مثاليا للعالم أو معرفة غاية الوجود الإنساني وبالتالي تعطي لنفسها الحق في رسم الخطوط الدقيقة التي ينبغي على الأفراد والمجتمعات التزام السير على أثرها للوصول إلى الجنة الموعودة والفردوس المفقود…إنه ببساطة – تقترب من منطق الجبر الرياضي – يقدم وصفا فوتوغرافيا على شكل نصائح لكيفية إدارة الدولة وتعزيز السلطان لحاكم طموح وسط واقع سياسي عاشته إيطاليا في القرنين الخامس عشر والسادس عشر ، مكتظا بالصراعات والمؤامرات والتشرذم ..
رفض بشكل قاطع تبني التبريرات اللاهوتية والثيوقراطية التي تتوخى إضفاء الطابع الأخلاقي على صراع الأقوياء على السلطة والمال ليضعه في سياقه التاريخي المعتاد الذي بدأ في الغابة بين أول كائنين بشريين تقاتلا من أجل ملكية كهف أو جثة حيوان هالك ..ولن ينتهي بظهور النظم الرأسمالية المتوحشة التي تحكم اللحظة البشرية الراهنة.. بعكس نيتشه على سبيل المثال لايؤمن ميكيافيللي بروح مطلقة توجه سيرورة البشرية نحو غائية حددتها الإرادة ..ولايعتد بمقولة الصراع الطبقي الإجتماعي كما تخيلتها الماركسية في ردها النظري على الوعي البرجوازي لحركة التاريخ ..
المجتمع عند ميكيافيلي يتطور بأسباب طبيعية، فالقوى المحركة للتاريخ هي «المصلحة المادية» و«السلطة» وقد لاحظ صراع المصالح بين جماهير الشعب والطبقات الحاكمة، وطالب ميكيافيلي بخلق دولة وطنية حرة من الصراعات الإقطاعية القاتلة، وقادرة على قمع الاضطرابات الشعبية.. وكان يعتبر من المسموح به استخدام كل الوسائل في الصراع السياسي، فميكيافيلي القائل «الغاية تبرر الوسيلة» برر القسوة والوحشية في صراع الحكام على السلطة. وكانت أهمية ميكيافيلي التاريخية أنه كان واحدا من أوائل من قرأوا تاريخ الدولة بعين إنسانية واستنبطوا قوانينها من العقل والخبرة وليس من اللاهوت..
إنه – بلا مواربة – يريد أن يقول ، مستندا على الاستقراء الذي تتيحه التجربة الانسانية المتراكمة عبر العصور : – إن الدولة مشروع الطبقات المسيطرة على الملكية ووسائل الإنتاج لحماية امتيازاتها من ثورات وانتفاضات الجموع المقهورة المدفوعة بسياط الجوع والحاجة..ولأن وجودها – الدولة – لاعلاقة له بأي تبرير أخلاقي فلامانع من تعزيز قوتها وسلطانها بكل السبل غير الأخلاقية ..فهل أخطأ ..؟ شخصيا لا أظن ..