مفتاح قناو
ظهر في كثير من البلدان التي لا تمتلك ثروات طبيعية ــ مثل ما هو الحال في بلادنا ــ ونتيجة للبحث العلمي والأخذ بأسباب العلم، مصطلح هام في تغيير أحوال البلدان من حالة العوز والفقر في الموارد، إلى حالة السعة والقدرة على التملك والإنتاج، وقد عرف هذا المصطلح بــ ( خلق الثروة ).
فكيف يمكن خلق الثروة ؟
يمكن العمل على ( خلق الثروة ) في أي دولة من خلال إقامة مشاريع إنتاجية ضخمة، تأتي بعد دراسة كاملة وواعية لإمكانيات هذه الدولة من حيث المواد الأولية المتاحة على أرضها، أو من حيث موقعها الجغرافي، وما يمكن أن تقدمه للدول المجاورة، أو للإقليم القاري القريب منها من خدمات تتفوق فيها على غيرها من الدول، فنجد على سبيل المثال دولة مثل الدنمارك عدد سكانها لا يتجاوز الخمسة مليون نسمة، بلاد صغيرة المساحة لا توجد بها ثروات طبيعية، لكنها دولة درست إمكانيتها، وقدراتها العلمية وما تطلبه الأسواق المجاورة، فركزت على صناعة بناء السفن حتى أصبحت من أهم الدول في إنتاج الناقلات البحرية العملاقة، وينطبق هذا التوجه على بعض الدول الأسيوية التي حققت طفرة إنتاجية كبيرة، كما ينطبق هذا على دول كثيرة أخرى فتحت أراضيها للنشاط السياحي، خصوصا إن كانت تمتلك مقومات لذلك من شواطئ جميلة أو مدن ومواقع أثرية، لكن يبقى التنظيم الإداري العلمي الجيد لهذا التوجه هو الأساس للنجاح في خلق الثروة، لذلك نلاحظ فشل هذا التوجه في بعض دول العالم الثالث التي يصعب فيها خلق الانضباط المطلوب في العمل، وتحقيق الدقة المتناهية في التعامل مع ما يحتويه المحيط من إمكانيات بشرية ومعدات صناعية، لأن هذا الانضباط وهذه الدقة والمثابرة ــ التي تمنع السرقات والفساد المالي ــ هي الأساس لنجاح مشروع ( خلق الثروة ).
وعندما نطبق هذا الحديث على بلادنا، نجد أن بلادنا تسير في الاتجاه المعاكس، ففي حين تسعى كل بلدان العالم ــ قليلة أو منعدمة الثروة ــ بالعمل والتخطيط الجاد وبدل الجهود ( لخلق الثروة ) نجد أن كافة المسؤولين في بلادنا يعملون بشتى الطرق على ( تبديد الثروة ) التي منحها الله لهذه البلاد، ولا يحاولون التخطيط للاستفادة من هذه الثروة، لخلق المزيد من الثروة للأجيال القادمة.
في بلادنا يمكن التخطيط لخلق المزيد من الثروة بالاستثمار في ما نملك من إمكانيات لا تمتلكها دول الإقليم الجغرافي القريب الأوروبي أو الإفريقي، مثل إقامة المزيد من مصافي تكرير النفط، ومصانع البتروكيماويات لغرض التصدير، ومصانع الاسمنت لتوفر المواد الأولية لهذه الصناعات، وإقامة المشاريع الزراعية المنتجة للثمور وزيت الزيتون، والتوسع في زراعة القمح، كما يمكن إذا الاستفادة من تجارة العبور، وإقامة مطارات دولية لعبور المسافرين في جميع الاتجاهات.
مشاريع ( خلق الثروة ) والحفاظ على ما نمتلكه منها، حق مشروع للأجيال القادمة، وهو أيضا دين في أعناق الجيل الحالي.