بقلم / عبد الباري رشيد
سقوط ذلك العدد الكبير من الضحايا في الحرب على العاصمة الكبرى طرابلس والذي تجاوز 3000 ضحية، فضلاً عن التدمير الممنهج للبنية التحتية من مطارات ومرافق حيوية وبيوت المواطنيين الذين اجبروا على النزوح وقفزت أرقامهم حالياً إلى أكثر من مائة وخمسين الف نازح، وغير ذلك من تداعيات تلك الحرب .. هل سقوط كل تلك الأعداد من الضحايا والمصابين طوال مايقارب السبعة شهور من بدء عدوان 4/4 وحتى هذه اللحظات كان لازماً وضرورياً ؟ ليعترف مثلاً وزير خارجية فرنسا في تصريحاته الأخيرة لصحيفة (لوفيجارو) المنشورة يوم 15/10 بأن هناك ماأسماه بالإجماع الدولي على انه لاحل عسكري للأزمة الراهنة في ليبيا !!- أليست الامور كانت واضحة منذ بداية العدوان والذي كان هدفه ( تعطيل) المسار السياسي في ليبيا – وخاصة خارطة الطريق التي وضعها المبعوث الاممي السيد غسان سلامة وكان مقرراً البدء في تطبيقها عبر الملتقى الوطني الجامع في مدينة غدامس والذي تحدد له في حينه يوم 14/4 للالتئام لدراسة كافة تفاصيل خريطة المبعوث الاممي – فالعدوان إستبق الملتقى – وبعث باكثر من اشارة لإفشال جهود المبعوث – وتمزيق خريطته – وبالتالي تمزيق النسيج الاجتماعي لليبيين عبر الحرب الاهلية التي دمرت كل شيء – بداية من المسار السياسي ومروراً بالاقتصادي وأخيراً بالاجتماعي والنفسي . – ومثل تلك المعاناة الناجمة عن الحرب ضد العاصمة وضواحيها وحتى في أحياءها المدنية – كمجزرة ( الفرناج) والتي لن تكون الاخيرة .. في مسلسل العدوان المرصود من طرف كافة المنظمات الدولية – وعلى رأسها مجلس الامن الذي ابلغته وزارة خارجية حكومة ( الوفاق) بكافة تفاصيلها وضحاياها من الأطفال والنساء . وطالبته باتخاذ التدابير والإجراءات ضد المعتدي وفق القانون الدولي – ولكن تلك المناشدة كسابقاتها – ظلت في أدراج مجلس الامن ولم يلحظ المراقبون أي تحرك دولي – تماماً مثلماحصل طوال الشهور السبعة من الحرب على طرابلس وضواحيها .. حيث لم يتخذ مجلس الامن بإعتباره اعلى سلطة في الامم المتحدة أية اجراءات حاسمة طوال تلك الفترة لوقف العدوان .. وعودة القوات المعتدية من حيث جاءت .. وإكتفي بإصدار بيانات لم توقف نزيف الدماء لكون الاطراف الخارجية التي (تدعى) انها فاعلة في المشهد الليبي – كانت تراهن على أشياء اخرى بعيدة كل البعد عن أرض المعركة – وبعيدة أيضاً عن ثوابث الليبين وحكومة الوفاق في عدم السماح بعسكرة الدولة – وعودة الديكتاتورية والحكم الشمولي الأسرى اليها – وبأنهم يتمسكون بمدنية الدولة – وبالتداول السلمي على السلطة – وبصناديق الانتخابات التي تأتي عادة بمن يريده الشعب ليمثل الجميع سواء على مستوى الرئاسة أو بقية المؤسسات التشريعية والتنفيذية الاخرى – ولعل أبلغ رد على ذلك التقاعس الدولي والمراهنة على الجواد الخاسر من أطراف بعينها – وقد جاء خلال الايام القليلة الماضية من جماهير العاصمة الكبرى وتحديداً يوم الجمعة 10/18 التي احتشدت في ميدان الشهداء وطالبت في هتافاتها ولافتاتها بمقاطعة مؤتمر ( برلين) المزمع إلتئامه نوفمبر القادم – وعدم المشاركة فيه قبل ان يتم (دحر) العدوان واكدوا في ذات الوقت تمسكهم بالمشروع الوطني الذي يسعى الى ( مدنيه) الدولة والتداول السلمي على السلطة ورفض الديكتاتورية وعسكره الدولة ، وهي اشارات واضحة من الليبين الذين يؤمنون بالسلم الاهلي ويرفضون العدوان ويقاومونه – بأنهم مع المبادرة السياسية لحكومة ( الوفاق) التي طرحها عليهم رئيس المجلس الرئاسي يوم 6/16- بإعتبارها تنسجم مع جهود المبعوث الاممي سلامة – ووجدت المبادرة بالفعل أرضية خصبة لتنفيذها دلت عليها اللقاءات ( التشاورية) التي جرت طوال شهر سبتمبر الماضي بين رئاسة المجلس الرئاسي وأعضاء منه – ومختلف الشرائح الاجتماعية – من مثقفين وسياسيين ورجال دين وقطاعات الشباب والمرأة ومنظمات المجتمع المدني … وكانت مخرجات تلك اللقاءات في صالح المشروع الوطني الذي يهدف الى اجراء الانتخابات وفق منظومة قانونية يشكلها الملتقى الوطني المقترح في المبادرة والتي تحدد لها سقف زمني مع نهاية العام 2019م. – وبطبيعة الحال فإن مثل تلك الترتيبات المرصودة على ارض الواقع من طرف المراقبين للمشهد الليبي – وخاصة منها ( مخرجات) اللقاءات التشاورية المشار إليها والصمود على جبهة المواجهه- فضلاً عن تظاهرات الجمعة 10/18 والتي طالبت بمقاطعة مؤتمر ( برلين ) وعدم المشاركة فيه قبل ان يتم دحر العدوان .. كلها تشكل ثوابت الليبين وأولوياتهم التي لن يتنازلوا عنها تحت أي ظرف أو ضغوطات مهما كان مصدرها وحجمها .. فالدولة المدنية – الدستور الدائم – وسيادة القانون والتداول السلمي للسلطة هي نبض الشارع الليبي ، وطموحات كل مواطن عاشق للحرية على إمتداد الرقعة الجغرافية من أقصى شرق ليبيا إلى وسطها وغربها وجنوبها .