مفتاح قناو
في مدينة فيشكوف الصغيرة بإقليم مورافــا التشيكي الجميل ولد المستعرب (الويس موسيل) عام 1868م، حيث كانت الأراضي التشيكية في ذلك الزمن تابعة للإمبراطورية النمساوية المجرية، والتي كانت في حروب مستمرة مع الدولة العثمانية، وكان الزمن بعد فشل حصار العثمانيين لمدينة فيينا وتراجع قواتهم عنها، ثم فقدانهم لأراض ومواقع متقدمة في المجر والبلقان لصالح الإمبراطورية النمساوية.
في عمر 23 سنة أصبح الويس موسيل أستاذا بجامعة مدينة اولوموتس المورافية، مهتما باللاهوت واللغات القديمة متخصصا في تدريس العلوم الدينية، واتجهت بعدها أنظاره إلى المنطقة العربية، حيث تعلم اللغة العربية في بيروت، وقام بعدد من الرحلات إلى مناطق صحراء شمال الجزيرة العربية في نجد والحجاز والأردن وجنوب سوريا الحالية في الفترة من 1886م حتى 1914م، عاش فيها مع القبائل البدوية في مناطقهم، ارتحل معهم حيث يرحلون، وتعلم لهجاتهم حتى أنه أتقن ما يزيد عن 15 لهجة محلية لمختلف القبائل، لكن صلته القوية كانت بقبيلة الروالة البدوية التي كانت ــ ببطونها العديدة ــ تقطن المناطق الصحراوية شمال السعودية والأردن وجنوب سوريا، حيث عاش مع قبيلة الروالة كأحد أبنائها، يلبس لباسهم، ويتحدث لهجتهم، ويمارس عاداتهم وتقاليدهم، حتى أطلقوا عليه اسم الشيخ موسى الرويلي، (حيث اسم موسى قريب من موسيل، والرويلي نسبة إلى القبيلة).
في سبيل تحقيق غاياته درس موسى الرويلي (موسيل) أهم كتب العلماء العرب التي كانت في دائرة اهتمامه مثل كتب ياقوت الحموي والطبري وابن حوقل والأصفهاني والواقدي وغيرهم ليمتلك من خلالها قاعدة معرفية واسعة عن حياة العرب وتراثهم، مع بداية الحرب العالمية الأولى عاد موسيل أو (الشيخ موسى الرويلي) مرة أخرى بدعم من الإمبراطور النمساوي كارل الأول، للعمل داخل أراضي العثمانيين في الصحراء العربية، لتوطيد الصلات مع العرب، ومحاولة الحصول على منافع اقتصادية لصالح إمبراطورية النمسا، لكن عمل (موسيل) الأساسي كان منصبا على القيام برسم طبوغرافي تفصيلي للمناطق شمال الجزيرة العربية وقد اصطحب معه خبير في رسم الخرائط يدعى (رودولف توما)، قام خلالها بكتابة بحوث لها طابع انثروبلوجي وصف فيها تفاصيل الحياة في جزيرة العرب وخصوصيات المجتمع البدوي التقليدي، وأصبحت دراساته في وقت لاحق مرجعا مهما لكافة الدول الاستعمارية التي قامت بالسيطرة على المنطقة العربية.
يقول الشيخ موسى الرويلي في مقدمة أحد كتبه أنه في عام 1909م قد قام برسم الحدود الشمالية للصحراء العربية، وأنه استكشف الأطراف الجنوبية والشرقية للصحراء، ثم سار بعدها إلى الكوفة ــ من خلال طريق الحج القديم ــ لكي يكمل رسم خريطة كاملة لشمال الصحراء العربية، كما أنه أول من اكتشف في رحلاته قصور بني أمية الصحراوية والتي كانت ممتدة في عمق الصحراء باتجاه المدينة المنورة والتي كان يبنيها أمراء بني أمية كاستراحات لهم أثناء رحلات الصيد البرية، أو أثناء سفرهم للحج.
بعد انتهاء عصر الإمبراطورية النمساوية وتفككها وقيام دولة تشيكوسلوفاكيا عام 1918م ترك موسيل مدينة فيينا حيث كان أستاذا في جامعتها ليعود إلى وطنه، ويلتحق بقسم الدراسات الشرقية بجامعة كارلوفا التشيكية ببراغ، ويكون مقربا من أول رئيس للجمهورية (توماش مصاريك) الذي قدمه إلى نخبة حكام العالم الجديد في نيويورك، حيث يلقى هناك اهتماما كبيرا، وتجمع أعماله وتطبع كتبه عام 1928م بإشراف الكاتبة الأمريكية كاترين رأيت.