منصة الصباح

شهر رمضان.. وزحمة شعبان

 

أحلام محمد الكميشي

باقتراب الشهر الكريم تسبقه نفحاته، وتشيع في الأرجاء أجواء الصيام والروحانيات، وتكتظ الشوارع والطرقات بازدحام شديد طوال اليوم، حيث تتذكر العائلات الليبية ما كان منسيًا أو مؤجلا منذ سنة تقريبًا، فتنطلق رحلات التسوق لتكديس الأغذية ولوازم الحلويات، ومشتريات المنزلية بأدق معداتها، ومهمات الصيانة والتجديد وتغيير الديكورات بل وحتى تعديل المسكن ما بين توسيع ودمج واستحداث الحجرات والمرافق، والتجار بدورهم يغتنمون الفرصة بتوفير كل ما يمكن بيعه في ظل الاستعدادات للشهر الكريم دون أن يغفلوا رفع الأٍسعار طالما أن الزبون متوفر وحتمًا سيشتري، ويا حبذا لو كان سعر الصرف متذبذب والدولار مرتفع، حيث يتم استغلاله لتبرير أي زيادة في السعر.

ومع أن المرتبات مازالت لم تودع في الحسابات المصرفية لمستحقيها والسيولة شحيحة، لكن العادة غالبة، إذ يستغرق مشوار الربع ساعة داخل طرابلس أكثر من ساعة أحيانًا، ويمكن بسهولة ملاحظة حركة دؤوبة أمام المحلات التجارية والأسواق وآلات سحب النقود وحتى محلات العُملة والصرافة، والكل يتبع المثل (اصرف ما في الجيب يأتي ما في الغيب)، وفي عرف الأجداد (رمضان يجي ويجي خيره معاه).

إعلانات الأعمال الرمضانية تتزاحم بدورها على الشاشة وفي الفضاء الأزرق ما بين دراما ومنوعات وسهرات ومسابقات وجوائز، ولكل سلعة سوق ومستهلكين، حيث تسيطر الثقافة الاستهلاكية على المجتمع حتى طغت العادة على العبادة، فشهر رمضان موسم تجاري واستهلاكي بامتياز، ويعقبه موسم عيد الفطر المبارك، وتتوزع أول أيام رمضان بين الطعام والشراب ومستلزمات كل منهما وتتوالى آخر أيامه ما بين حلويات العيد ومستلزمات إعدادها وملابس العيد والأحذية والألعاب، وتحتدم في آخر أيامه أيضا معركة مستحدثة محورها زكاة الفطر هل هي طعام أو نقد، ويتوزع الليبيون بين الفريقين المتخاصمين كل يدلي بدلوه في جلسات السمر وعلى صفحات التواصل الاجتماعي، ومع أن الغالبية يعلنون أنهم يشترون لوازم عيد الفطر في رجب أو شعبان تفاديًا للزحمة، لكن الزحمة باقية ولا تنتهي وإلى الحد الذي يجعلنا نتساءل: أين ذهب الشعب الذي اشترى كل ما يحتاجه قبل رمضان؟ ومن هو هذا الشعب الذي يخنق الطرق والشوارع ويحتل الأسواق والمحلات على مدار اليوم وصولا لليلة العيد؟

غزت مؤخرا أسراب الإضاءة وفوانيس رمضان والنجوم المتلألئة والأهلة بيوت الليبيين بمنتوجات تفننت الصين في توفيرها وابتداعها، ولا يزال هناك من يحافظ على عادات رمضانية قديمة كـقصعة الميت وضوقة رمضان، بل زاد البعض فكرة ولائم إفطار الصائم كل ليالي رمضان والتي يتعهد بإقامتها بعض الميسورين والمتبرعين أفرادا وعائلات حتى أن بعض المناطق والمدن اشتهرت بها وصارت أماكن جذب للصائمين ومشتهي ما تقدمه من البازين بالفول والرشدة والشربة، ولازال من يحافظ على عادة التزاور ودعوة الأقارب للإفطار وانتظار ليلة القدر لإقامة مراسيم الخطبة والبيان والفضانيات تيمنًا ببركتها.

فيما ترى قلة أن الشهر الكريم يأتي مرة واحدة في العام وهو شهر للعبادة والصوم والصلاة وتلاوة القرآن والتقرب لله بالطاعات والصدقات، هذه القلة تمضي اليوم في العمل والعبادة وعند المغرب تمد مائدة بسيطة من تمر ولبن ووجبة رئيسية وسلطة وماء تبدأها بسم الله وتنهيها بحمد الله، لا يشغلها نوم أو تسوق أو مطبخ، هذه القلة لا يمكن أن يستغلها تاجر أو لص، فتنتصر ثقافة العبادة على ثقافة العادة وتنتصر الروحانيات على الاستهلاك، وما أحوجنا أن نتغير فكرا وروحا لتتغير الدنيا من حولنا فرمضان شهر ككل الشهور حتى أن الصوم فيه يعني تقليل الطعام وتقليل الانفاق، وهو شهر أفضل من كل الشهور ففيه تُفتح أبواب للرحمة والمغفرة لا تفتح في سواه وفيه ليلة خير من ألف شهر لن تتكرر في غيره.

أحلام محمد الكميشي

شاهد أيضاً

الروايات بخوتْ

جمعة بوكليب زايد…ناقص حين صدرتْ روايته الأولى(خبزُ على طاولة الخَال ميلاد) منذ سنوات قليلة مضت، صار …