منصة الصباح

نهر الليثي..أسطورة بنغازي المنسية

تمتع هذا النهر بقدسية خاصة عند الإغريق، إذ اعتبرته أساطيرهم أحد أنهار العالم السفلي الخمسة، (نهر ستيكس أو نهر الكراهية)، و(نهر أكرون أو نهر الحزن)، و(نهر كوكايتس أو نهر الرثاء)، و(نهر فلاغيثن أو نهر النار).

يجب أن تمر به الأرواح بعد الموت لتتطهر وتنسى آلامها وآثامها، من شرب منه ينس كل شيء مؤلم مر به في حياته، فهو نهر النسيان عندهم، وهو وجهة أرواح موتاهم، تقصد هذا النهر لتتطهر من ذنوب صاحبها، بنسيان آلامهم في الحياة. ويقال في الأساطير أن الليثون هو المكان الذي صارع عنده هرقل الشيطان.
وقد أشار المؤرخ الليبي محمد بازامة أن موقع نهر النسيان كما يعتقد هو ما يعرف بالجخ حاليا حيث يوجد كهف عميق تجرى فيه مياه لم تحدد مصادرها.

وذكر خبير الآثار البروفسور قوود تشايلر في كتابه ” بنغازي قصة مدينة” أن اليونانيين القدماء كانوا يحجون إلى الموقع ويتبركون به، وكان ملهماً للشعراء، فورد ذكره في قصيدة “نهر النسيان” للشاعرة الفرنسي بودلير

ونهر النسيان يتدفق من قبلاتك/ وإني أستسلم لقدري مختاراً هانئاً / كشهيد مطيع بريء محكوم/
لكن ورعه يزيد في عذابه/ ولأغرق حقدي سوف أشرب/ شراب النسيان وماء الشوكران/ من على أطراف جيدك الجميل/ الذي لم يأسر قلباً مطلقاً.

وصف محلي

عرف نهر الليثي محليا باسم الجخ “التجويف الكبير”، ويقع بمنطقة بوعطني في إحدى الكهوف الكارستية المليئة بالمياه المتجددة. وفي ذلك اتفق الكثير من الباحثين انه هو ذاته نهر الليثون المرتبط بعالم الأموات في الأساطير الإغريقية، حيث ينسى الموتى عندما يشربون من النهر حياتهم السابقة.

تم بناء درج للنزول لتجويفات النهر في عهد الاحتلال الإيطالي لليبيا. ولا يزال موجوداً حتى وقتنا الحاضر. ويجد الزائر في نهاية السلم كهف بسقف مرتفع. المرور عبر ذلك الكهف يؤدي إلى تجويفات أخرى، والتي ينخفض مدخلها لدرجة الزحف في وضعية الركوع.

وتتميز هذه المسافة للداخل بظلمة تثير الرهبة لامتداد التجويف نحو المجهول. أما التجويف الثاني فهو أكثر اتساعا بسقف مرتفع مثل القبة، يصل اتساعه في بعض الأماكن لعشرات الأمتار. وقد تم تزويد هذه التجويفات في العهد الايطالي بإضاءة مازالت بقاياها موجودة حتى الآن. لكن الكهوف عادت لظلمتها بعد تعطل هذه الإضاءة.

يبدأ السقف الصخري للتجويف الثالث بالانخفاض مجددا كلما زاد العمق نحو الداخل، حتى يكاد يلامس سقفها أخيراً سطح المياه التي تنساب من باطن الأرض، ولا يعرف حتى الآن عما إذا كانت هذه المياه نهراَ جوفياً أم بحيرة. وتتجه مياه الجخ من الشرق إلى الغرب، وهي ذات معدل ملوحة منخفض. كما تبدو البحيرة قليلة العمق في البداية، لكنها شديدة العمق في الداخل.

اكتشاف السر

قيل إنه كانت هناك العديد من المحاولات لدخول النهر لمعرفة مدى عمقه. حيث يروى أن أحد الباشاوات في العهد التركي ركب قارباً وتوغل به في الكهف لمدة ثماني ساعات وعاد من دون أن يصل الى عمقه. كما أن عددا من الجنود الانجليز أثناء الحرب العالمية الثانية استقلوا زورقا وتوغلوا به في الكهف ولم يتمكنوا من العودة.

في العام 1860، اكتشف بعض الرحالين البريطانيين عند زيارتهما للكهف أنه يتكون من ثلاث مغارات. حاكم بنغازي “البي خليل” في العهد العثماني الثاني الذي امتد في الفترة 1835 – 1911 استكشف الكهف بقارب، وأكدّ أن عمق المياه لا يقل عن 30 قدماً. لكنه لم يستطع التقدم أكثر من ذلك بسبب الخوف من الضياع.

لم تتوقف محاولات استكشاف تتبع منابع نهر النسيان. كما أن بعض المصادر ذكرت أن اثنين من الجنود الإنجليز تاها داخله بقاربهم أثناء الحرب العالمية الثانية، ولم يتمكنا من العودة. وقد قام وفي العام 2013، قام فريق غوص من مراقبة آثار بنغازي، بتتبع مياه النهر لكنه لم يصل إلى أي نتيجة محددة.

شاهد أيضاً

بلدي زليتن يناقش إزالة التعديات على خط الغاز

ناقش عميد بلدية زليتن مفتاح حمادي، آليات إزالة التعديات على خط الغاز الممتد من مصنع …