منصة الصباح

الكلمة 2

بقلم / على المقرحي

ولأن الانسان ليس وهماً ، ولا يمكن أن يكون وهماً ، فمن أين تجيئنا الأوهام إذن ؟ ، من أين تجيء طاووسيتنا ، وتنطعنا الجاهلي ، وانتفاخنا الأجوف وادعاءاتنا الفارغة ؟ ، من أين لمثيري غبار المساخر الدونكيشوتية ومُحْدِثي أشد الصخب إزعاجاً وإيذاءاً ، والذي يصدق عليه ما قرره رجل حكيم يوماً ، من أن ” البكم المؤكد أكثر من أي بكم آخر ، ليس بالصمت بل بالكلام ” من أين لهم بتلك الصفاقة وذلك الإصرار على أنهم نقطة الختام في سفر الوجود البشري ، ومنقذو الانسان مما يبهظ كاهله وممن يتسلط عليه ويغربه عن نفسه وحياته ؟ .

متغافلين بمكر غبي عن أنهم من يفعل ذلك به ؟  .

تلك أسئلة وكثير غيرها قد  نتخذ إزاءها ذات الموقف ونتغافل عنها ، متهربين من مواجهتها لكننا لن نفعل شيئاً بذلك سوى أن نضيف إلى إساءة أولئك إلينا إساءتنا إلى ذاتنا ، وذلك بتأبيد معاناتنا ،وإطالة أمد مانحن عليه من سوء حال  ،  لكنها ستظل تطاردنا وتشد بخناقنا حتى لا تبقي لنا خياراً آخر غير أن نواجهها .

ولن نفلح في مواجهة كهذه دون الوعي بتلك الأسئلة وبما يدعو إليها ويسوغها من معطيات واقعنا وحياتنا ، فالوعي وحده الإمكانية المتاحة للإنسان للإرتقاء بواقعه وتجاوز راهنه إلى ما هو أفضل ، وهنا تجيء الكلمة التي لا تقل أهمية عن الفعل في اعلان وعي الانسان بذاته وبواقعه ومدى حظه من ذلك الوعي ، وهذا فهم سيهولنا في ضوءه اكتشاف مدى الفقر والضحالة ونضوب المعنى والقيمة مما هو متاح ومتداول من كلام نسمعه ونقرأه ومما نقوله ويقال لنا ، فمن ثرثرات الشارع إلى الخطاب الرسمي بمختلف مصادره ، السياسي والاعلامي والتعليمي …. الخ ، تسود كليشيهات لفظية مهلهلة ، وتُتَدَاوَل مفردات لا تبرأ من إبتذال وإسفاف ، لا تترك لمن قد يحاول تبريرها القول بأنها ليست أكثر من دليل على سطحية الوعي وضيق آفاقه ، بل وتبلده ” ومهم ألّا يُحمل هذا الكلام على محمل التنصل أو التبرؤ من واقع نعايشه جميعاً ونعيشه ”  فلا مجال متاح لأي منا للهروب .

وما من جدوى إلا في إن نواجه بأكثر ما نقدر على تحقيقه من توافق واتفاق ما يطرحه علينا واقعنا الراهن من أسئلة وأحاجِ ، و أن نوجه أنظارنا مباشرة إلى  ما يكتظ به واقعنا من مساويء تعكر عيشنا ، وما فيه من حسنات تجعله محتملاً ومقبولاً  منا ، وإن على مضض ، لابد لنا من مواجهة الواقع مهما يكن من سماجة قول : – ( ” أنا ” حر ) الذي يرد به سائق نزق مثلاً إذا ما سئل عن مبرر تجاوزه للسرعة القانونية ، أو من السمسار الذي يتوسط بين مستوردي حاجات الناس الضرورية بما فيها الأدوية وبين بائعي القطاعي ، أو من الذي يصر على إيقاف سيارته فوق الرصيف مرغماً الذين خصص لهم ذلك الرصيف على مزاحمة السيارات والتعرض لنزق ولامبالاة بعض السائقين ( أنا حر ) في أن أقول وأمارس كل مايعلن جهاراً جهلي بالحرية وبما تعنيه ، ( أنا حر ) مادامت المناهج التلقينية والإعلام الببغاء وأمراض ( الأنا ) المتورمة إلى تعصب قبلي وجهوي وأيديولوجي من تجاوز أسطورة الحرية الحمراء التي لا يدق بابها إلا بكل يد مضرجة ، ولا تركت لي مجال اكتشاف ما تعنيه الحرية حقاً ، فلا نعود لا نرى منها سوى ظاهرها وأنها بلون الدم والنار ، لأن الحرية أرحب آفاقا وهي قادرة فعلاً على استيعاب كل ألوان الطيف والوان البشر جميعاً ، و ليس لها باب واحد فقط لا تدقه غير الأيادي المضرجة ، بل لا حصر في الحقيقة لأبواب الحرية ، مثلما إن فكراً مستنيراً ووعياً منقشعاً راقياً ، أقدر على دق أبواب الحرية بل وفتح تلك الابواب وتجاوز عتباتها ، وإلى ذلك أقدر من الأيدي المضرجة على استيعاب الحرية ، وأبلغ تعبيراً عنها ، كما أن فكراً مستنيراً وواعيا راقياً ، أنقى وأسمى كلمات مما تصر لغة الدم على قوله وتكراره ببلادة لا مزيد عليها ، فكفى قتلاً واقتتالاً لوجه العبث .

 

 

 

 

شاهد أيضاً

القبض على عصابة تمتهن سرقة الأغنام من مناطق مختلفة وبيعها في بنغازي

القبض على عصابة تمتهن سرقة الأغنام من مناطق مختلفة وبيعها في بنغازي

 تمكنت وحدة التحري والقبض التابعة لقسم البحث الجنائي في اجدابيا من الإيقاع بتشكيل عصابي متخصص …