تحسنت مرتبة ليبيا في تقرير مؤشر مدركات الفساد 2023م، الذي أصدرته منظمة الشفافية الدولية، بزيادة نقطة واحدة بعد ثبوته ثلاث سنوات عند النقطة (17)، حيث حلت ليبيا في المرتبة 170 من بين 180 دولة شملها التقرير، حيث عدنا من جديد إلى الرقم (18) على مقياسٍ مؤشرات الفساد في القطاع العام الذي ينطلق من صفر (شديد الفساد) إلى 100 (شديد النزاهة) هذا الرقم الذي سجلناه في كل من سنة 2014 و2019، لنظل في مراوحة مقلقة ما بين النقطتين 14 و21 خلال عقد كامل، وبنظرة بسيطة على دول الجوار نجد أنها في هذا التقرير تتراوح بين الرقمين (20) و (40).
يحاول الليبيون الوصول لصناديق الاقتراع في انتخابات شفافة ونزيهة منذ أكثر من عامين لكن هذه الخطوة متعثرة بسبب الاختلافات المحلية والتدخلات الأجنبية والتأثيرات الجيوسياسية لكامل المنطقة مع غياب دستور حقيقي يكون منبع كامل القوانين التي تنظم العملية، وتتزاحم أخبار الفساد وانتشار الوثائق والمستندات حوله في الفضاء الأزرق، تقابلها أخبار عن جهود حثيثة تبذلها النيابة العامة في تتبع القضايا وتوجيه الاتهام لرموزها وتقديمهم للعدالة، فتلوح بادرة أمل مطمئنة خاصة في ظل سلطة قضائية موحدة لم تتأثر بالانقسام الذي خلخل الكثير من بقية المؤسسات وأعاق توحيد الجهود التي ستكون أكثر فاعلية لو أنها ظلت موحدة.
وفي حين كانت صور الإهمال مجرد حديث الصحافة والإعلام والجلسات الاجتماعية حول البنية التحتية والمرافق صارت مؤخرا مصدر قلق حقيقي بعد كارثة سدي وادي درنة، وأزمة المياه الجوفية في زليتن، بسبب تأثير مثل هذه الأزمات على المواطنين في المناطق المتضررة وبقية البلاد وفي كل المجالات، وما يقلق أيضا هو أن الإنفاق الحكومي الذي توسع كثيرا كمًا وكيفًا والقرارات التي ساهمت في زيادة التضخم تقابله رؤية الحكومة في رفع الدعم عن المحروقات كحل سحري للقضاء على التهريب والفساد، وما يقلق أيضا هو التكدس الكبير لموظفي القطاع العام مقابل نسبة الإنتاجية لهم ولكل القطاع، ويظل الحل الحقيقي للقضاء على الفساد هو في وجود إرادة حقيقية على المستويات التشريعية والتنفيذية والرقابية تدعمها قوة السلطة القضائية الموحدة ووجود مجتمع مدني فاعل يتقن دوره بجدية وصحافة نزيهة وإعلام يؤدي رسالته في خدمة المجتمع.
وإذ يشير تقرير مؤشر مدركات الفساد 2023م إلى أن الدول العربية تكافح للوفاء بالتزاماتها فيما يتعلق بالعدالة وحقوق الإنسان، وأن هذا بسبب غياب البنية التحتية المناسبة وأنظمة النزاهة الوطنية، وينبه إلى أنه يفصلنا فقط 7 سنوات عن سنة 2030 والتي كثر الحديث عن خطط فردية وجماعية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلولها، تبرز جملة من الأسئلة البديهية حول مدى قدرة الدول العربية وفي مقدمتها ليبيا على تحقيق قفزة حقيقية خلال هذه السنوات السبع؟ وكيف؟ وما هو الرقم الذي سنتحصل عليه في تقرير مؤشر مدركات الفساد 2024م على سبيل المثال؟