منصة الصباح
علي الدلالي
علي الدلالي

كسر العدوان

بالحبر السري
بقلم: علي الدلالي

أجبرت العملية النوعية التي نفذتها كتائب القسام يوم الإثنين في مخيم المغازي للاجئين الفلسطينيين، على بعد حوالي نصف كيلومترا فقط من السياج، رؤوس حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة، رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي، بنيامين ناتنياهو، ووزير دفاعه، يوآف غالانت، والوزير في مجلس الحرب المنبثق عن حكومة الطوارئ، بيني غانتس، على الخروج ببيان موحد يؤكد استمرار حرب التطهير العرقي الوحشية ضد الشعب الفلسطيني.
وبالفعل، أفقدت هذه العملية التي أسفرت عن مقتل 24 جنديا من قوات الاحتياط في جيش الاحتلال، ساسة الكيان الإسرائيلي وجنرالاته عقولهم، فتناسى غالانت أنه كاد أن يقتحم قبل يومين مكتب ناتنياهو، وتغافل غانتس عن خروجه في مظاهرة مع عائلات الأسرى الإسرائيليين لدى حركة المقاومة الفلسطينية في غزة تطالب باستعادتهم، وخرج الاثنان مع ناتنياهو ببيان موحد في محاولة لامتصاص حالة الغضب غير المسبوقة في الشارع الإسرائيلي وكبح جماح تصاعد الخلافات إلا أن المراقبين للشأن الإسرائيلي أكدوا أن السخط يستعر تحت رماد “الوطنية” في الدولة العبرية.
وكان الجنرال السابق غادي إيزنكوت – وهو أحد أعضاء مجلس الوزراء الحربي- انتقد علنا، في إطار هذا السخط الذي بات يسطر على الشارع الإسرائيلي وفي أوساط كبار جنرالات قوات الاحتلال، سياسات ناتنياهو قائلا إن “ما يحدث في غزة اليوم هو أن أهداف الحرب لم تتحقق، أولئك الذين يتحدثون عن الهزيمة الكاملة لحماس لا يقولون الحقيقة”، مضيفا (لا) عندما سأله مراسل لصحيفة ليبراسيون الفرنسية “هل صناع القرار صادقون مع الجمهور.
خاض جيش الإحتلال الإسرائيلي منذ العام 1948 حروبا بدون خسائر تذكر، إذا استثنينا حرب 1973 التي باع انتصارها السادات لوزير الخارجية الأمريكي الراحل، هنري كيسنجر، بموافقته على انسحاب أكثر من 1000 دبابة و70 ألف جندي مصري من الضفة الشرقية لقناة السويس وتخفيض القوات المصرية في سيناء إلي 7000 رجل و30 دبابة، وجعل المفاوض المصري، قائد العمليات الحربية، الفريق عبد الغني الجمسي، الذي كان يخشاه الإسرائيليون، يبكي بحرقة حزنا على نصر عسكري وأرواح آلاف الرجال ضيعها السادات على موائد المفاوضات، إلا أنه يبدو أن هذا الجيش علق أخيرا هذه المرة في مستنقع غزة وغاص في الوحل.
لم يستمع ناتنياهو على ما يبدو إلى نصائح شركائه في حرب الإبادة على غزة في البيت الأبيض بضرورة النزول عن الشجرة والبحث في كيفية الخروج من هذا المستنقع بالنظر إلى ما تعلمته أمريكا في فيتنام وأفغانستان عن استحالة القضاء على المقاومة نهائيا، ليس رفضا وإنما قرر الهروب إلى الأمام لأنه يخشى الحساب العسير ولإدراكه أن أي حديث عن ما بعد الحرب في غزة يعني موته سريريا.
لا يكترث قادة الكيان الإسرائيلي، من الساسة والعسكر على حد سواء، للضحايا المدنيين في غزة، ولم نقرأ في التاريخ أن الدول الاستعمارية أوقفت حروبها بسبب عدد الضحايا ومنها، للتذكير، الولايات المتحدة في فيتنام والعراق وأفغانستان، وفرنسا في الجزائر، لكن أمريكا لم تستطع الاستمرار في فيتنام عندما بلغ عدد قتلاها 56 ألف جندي وضابط، ونرى الكيان الإسرائيلي اليوم بدل إعادة الأسرى بدأ يُرسل التوابيت بالعشرات والجرحى بالآلاف مع تعمق الإحساس بالفشل وانتشار الرعب في قياداته خوفا من الهزيمة، وإن كان الكيان هُزم بالفعل يوم 7 أكتوبر 2023.
قدرت الولايات المتحدة أن المستنقع الذي غرق فيه الكيان الإسرائيلي في غزة بدأ في الاتساع فأرسلت مبعوثا إلى المنطقة ليبحث ما أسمته بهدنة إنسانية جديدة والإفراج عن الأسرى إلا أن كبار مستشاري البيت الأبيض ووسائل إعلام أمريكية سربوا أنباء عن قيام المبعوث الأمريكي ببحث مواضيع إقليمية محددة منها التطبيع بين الكيان الإسرائيلي والمملكة العربية السعودية ومستقبل الحكم في غزة بدون حماس بعد انتهاء الحرب، لصرف الإنتباه عن المأزق الذي يتخبط فيه قادة الكيان الإسرائيلي.
إن قوات الاحتلال الإسرائيلي ليس أمامها الكثير من الخيارات بعد أن سحبت منها المقاومة الفلسطينية زمام المبادرة لأول مرة وباتت تواجه مأزق الهروب إلى الأمام والزيادة من شراسة القتل والتدمير أو القبول بالأمر الواقع والنزول عن الشجرة في حين أن المقاومة لا تملك إلا خيارا واحدا هو استمرار الصمود البطولي وكسر العدوان.

شاهد أيضاً

يعطي بنته ويزيد عصيدة

جمعة بوكليب زايد ناقص لم يكن في حسباني، يوماً ما، أنني سأتحوّل إلى كاتب مقالة …