منصة الصباح

خلطة الدراما السورية: مع السلطة وضدها

 

 

بعد كل أزمة سياسية أو حرب تندلع في الشرق الأوسط، أو في المناطق الأخرى من العالم، تتسابق هوليود إلى ترسيخ سرديتها الخاصة عن الحدث، بإظهار السياسية الأمريكية في ثوب الملاك الذي ينقذ الشعوب من حُكم “الديكتاتوريات”، وِفق رؤية خاصة بالرواية الأمريكية الرسمية.

ولكن مع مرحلة “ربيع الثورات” الذي كانت أبرز شعاراته الحرية و الديمقراطية وحقوق الإنسان، ظهر نوع جديد من الفن، عبر محاولات بعضها نجح وبعضها الآخر فشل نتيجةً لعدم فهم الواقع الذي كشف للمتلقّي العربي تحديدًا، ما تحاول إخفاءه الأجهزة الرسمية، في أعمال درامية وسينمائية، نبدأ في الجزء الأول مع الدرامية.

في سوريا، التي لم تنتهي أزمتها السياسية ولا الاقتصادية أو الوطنية بمعنى أشمل للأزمة، كان لها رأي مختلف لم يتعوّد عليه المشاهد العربي. وهنا لا نتبنّى الأراء الرسمية أو المعارضة لها. نوضح ما حدث بعد أن اجتاح “ربيع الثورات” سوريا، وكيف تعامل صُنّاع الدراما والسينما مع الأزمة.

واجه قطاع الدراما في سوريا، بعد العام 2011، مصيره وحيدًا، بعد أن تصاعدت الآراء بين المؤيد وبين المعارض، داخل الوسط الفني، ما أدّى إلى تعثّر بعض الأعمال. وتأخر إنتاج الأعمال الفنية السورية المنافسة سنويًا.

وهذا التأخر لم يكن سلبيًا على هذه الصناعة الهامّة، بل إيجابيًا أنتج نوعًا جديدًا من الدراما والسينما، عبر توظيف الأزمة واستثمارها بشكلٍ صادم لمن “مع ومن ضد”، في كشف فساد مؤسسات الدولة السورية، وإظهار الضابط السوري في صورة مدهشة قد تُعزّز موقف المعارض. وهذا يوضح أن هناك رؤية حقيقية لاستثمار الأزمة في ثوب جديد، تتوافق عليها كل شرائح المجتمع السوري بكل أطيافه السياسية والفكرية.

أعمال درامية مع السلطة والمعارضة معًا:

“الولادة من الخاصرة” إنتاج 2011 لسامي رضوان وإخراج رشا شربتجي، يكشف العمل الدرامي في أجزاءه، الأزمات الاقتصادية التي يعانيها الفقير في سوريا، مع إظهار حياة الترف للفاسدين من ضباط كِبار مقربين من السلطة، وكيفية استغلال “الثورة” لخدمة مصالح الضباط وبعض المستفدين معهم على الطرف الآخر، ومت كان يحلم بهِ الإنسان السوري البسيط وما كان يحلم به “المسؤول الفاسد” الذي تآمر مع أحد الشخصيات الهامة، حول أهمية انشقاق أحدهم عن “النظام” وبقاء الآخر معه، وفي حال فاز أحد الطرفين، يخدمون بعضهم البعض حين يحتاج أحدهم للمساعدة.

مسلسل “سنعود بعد قليل” إنتاج 2013 لرافي وهبي وإخراج الليث حجو، بطولة دريد لحّام وعابد فهد وباسل خياط وقصي خولي وسلاف معمار وغيرهم من النجوم.

المسلسل يُبرز قضية اللجوء والبحث عن الأمان خارج سوريا، يبدأ مع العم “نجيب” دريد لحام، صاحب محلّ قديم، يعيش بمفرده بعد أن سافر أبناءه وبناته بسبب الحرب، إلى لبنان التي تعتبر بلد أمهم، والبلد الذي يحاول فيه أكبر أبناء العم نجيب، واسمه “سامي” الوصول إلى أعلى المناصب العليا في لبنان، لكونه أحد كوادر في حزب “صهره اللبناني” والوفيّ الذي حافظ على الحزب بعد سلسلة حوادث أمنية.

العم نجيب، كغيره من الأباء، تعايش مع مواقف أبناءه، بين من يرى ما حدث “ثورة” وبين من يراها “مؤامرة”، وتتجلّى هذه المواقف في حوارات متعددة تُبرز مواقف الجميع.

مسلسل العرّاب- نادي الشرق “الجزء الأول” 2015، العرّاب- تحت الحزام “الجزء الثاني” 2016، لرافي وهبي، إخراج حاتم علي. بطولة جمال سليمان، باسم ياخور، باسل خياط، سمر سامي، منى واصف، وغيرهم من النجوم.

يحكي العمل الدرامي، عن “أبو عالية” زعيم عائلة “آل المنذر” الثرية وصاحبة النفوذ الكبير في السلطة، والقادرة على تغيير قرارات وإقالة مسؤولين. يوضح المسلسل في جزئيه الأول قوة جيلين، الجيل الأول “الحرس القديم” المتمثل في “أبو عالية” وفي الجيل الثاني “الحرس الجديد” المتمثل في جيل أبناءه “قيصر وجاد” وكيف تمت عملية اغتيال والدهم بعض غضب السلطة عليه، وكيف واصل أبناءه طموحهم في بقاء “آل المنذر” قوة اقتصادية مؤثرة محليًا ودوليًا.

المسلسل مرّر بعض المشاهد التي تُسهّل على المتلقّي فهم أحداثه، وأهمها لحظة وصول رفاق “أبو عالية” لمنزل رفيقهم والجلوس مع “قيصر وجاد” لمساعدتهم على البقاء في أمان وتسهيل الأعمال الاقتصادية العائلية، وأن لا يلتفتوا للأخبار الدولية التي نشرت أن مقتل والدهم بأنه جزء من تصفية الحرس القديم”.

والمتابع للعمل، لن يجد صعوبة في إدراك أو استنتاج، بأن ما يشاهده يختزل مرحلة ما بعد موت الرئيس السوري السابق حافظ الأسد.

وهذه الأعمال الفنية، جزء بسيط من سلسلة من الأعمال الدرامية السورية، التي غزت الشاشات العربية سنويًا، بعدد من المسلسلات المتنوعة من كوميديا ودراما وتاريخ.

وهنا لا نتبنّى وِجهة النظر لأي طرف، أو ندّعي بأن أحدهم يملك حقيقة المشهد “من مع ومن ضد” ، بل ما نريد قوله، أن الدراما السورية رسّخت قاعدة جديدة في أعمالها، وهي إبراز الصورة التي يحتاج أن يراها المتلقّي، مشهد غير مكرر للمشاهد، إعطاء جُرعة من “المكاشفة” على الوضع في سوريا.

قد يكون الأمر طبيعيًا خارج نطاق الدول العربية عمومًا، لكن داخل هذه الدول، لن نجدها إلا في سوريا. وهذا هو سرّ الخلطة السورية المنافسة، توظيف كل الأزمة بمن فيها من أطراف في عمل واحد.

لم يقتصر الأمر على الوضع الراهن، حتى الأعمال الشامية كان لها نصيب من الأزمة، عندما نرى استمرارية “باب الحارة” في سلسلة أجزاء لم تتوقف، نجِد بأن صنّاع العمل، حاولوا تمرير الواقع السوري عبر محطات الاستقلال وخروج فرنسا من الشام، بعد مقاومة وطنية شارك فيها كل السوريين.

حين بدأنا الحديث عن هوليود، كان الهدف بأننا يجب أن نشاهد كل عمل “عربي، غربي”، نرى كل وجهات النظر، نُقارن بينها، نطرح رؤيتنا.. أن نشاهد بوعي كامل وبتركيز عالٍ. دراميًا و سينمائيًا.

ولنا عودة “قريبًا” مع السينما السورية بعد الأزمة.

شاهد أيضاً

بلدي زليتن يناقش إزالة التعديات على خط الغاز

ناقش عميد بلدية زليتن مفتاح حمادي، آليات إزالة التعديات على خط الغاز الممتد من مصنع …