منصة الصباح

متى سيتوقف خطاب الكراهية في الاعلام الليبي؟

خلود الفلاح

 الصحافة في ليبيا ليست بخير، إذ فقدت ليبيا ستة مراكز في المؤشر العالمي لحرية الصحافة الصادر عن “مراسلون بلا حدود” في تصنيف 2023، بعد أن كانت تحتل المرتبة ” 143″ في تصنيف 2022، تراجعت لتحتل المرتبة (149) عالميا.

وأفاد تقرير المنظمة أن ليبيا غارقة في أزمة عميقة منذ العام 2011، وفي أغلب الأحيان يُجبر الصحفيون ووسائل الإعلام على مساندة طرف معين من أطراف الصراع على حساب الاستقلالية التحريرية.

 وساهم هذا خطاب المتطرف في تأجيج نيران الحرب وتصعيد الصراع، بل وتسبب في إحداث أضرار حقيقية شملت حالات وفيات واختفاء قسري، وإسكات لصوت المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان. لا أحد يمكنه إنكار الدور البارز الذي لعبته وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، وأيضا الإعلام الالكتروني في زيادة الخلافات واتساعها، وزيادة حدة التوتر بين الأطراف السياسية والجماعات الاجتماعية داخل المدينة الواحدة، وهذا لا يتفق مع المادة (20) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

كل ذلك يحدث، والتشريع الليبي ينص في مادته (203) من قانون العقوبات على عقوبة الإعدام لكل من ارتكب فعلا بقصد التحريض على الحرب الأهلية أو تمزيق الوحدة الوطنية، والمادة (318) تعاقب على الكراهية أو الازدراء ضد الجماعات الدينية، وتعاقب المادتان (317) و (319) على التحريض العلني على ارتكاب جريمة أو عصيان القانون. وتظل هذه الأحكام فضفاضة للغاية ولا تحدد المصطلحات الأساسية مثل التحريض والكراهية. وتنوه المادة (29) من الاتفاق السياسي الليبي، الذي وقع عليه مجلس النواب بالإجماع، على التزام كل الأطراف بعدم القيام أو المشاركة في أية حملة إعلامية تهدف إلى التحريض على، أو الترويج إلى أي شكل من أشكال العنف أو الكراهية أو تهديد السلم الأهلي والوحدة الوطنية لأي سبب من الأسباب.

ميثاق صحفي

 ويرى أستاذ الإعلام بجامعة الزاوية مسعود التائب أنه من الضروري وجود تشريع متفق عليه يجمع بين حرية التعبير من ناحية، وتجريم خطاب الكراهية من ناحية اخرى، فالأمور قد تبدو متداخلة أحيانا، فما يعتبره البعض خطاب كراهية قد يعده آخرون حرية رأي، ولذلك نحن في أمس الحاجة لتحديد وضبط خطوط التماس بين المفهومين، وهو امرا لا يتأتى إلا من خلال تشريع يحمل نصوصا قانونية واضحة غير ملتبسة، لا تقبل التأويل.

 وتحدث مسعود التائب عن الحالة الليبية التي تشهد كم كبير من مفردات الكراهية، ليس فقط الخطاب السياسي، لكن الحال طال كل المنابر وادوات التعبير الجماهيرية والشخصية والتفاعلية، حيث بات من الممكن سماع خطاب الكراهية عبر الخطاب الديني الاقصائي الذي تمارسه قنوات دينية معتمدة ومسؤولة ترى انها وحدها المصيبة وأن غيرها مبتدع وضال، كما أن الخطاب الرياضي شهد تطورا ملحوظا هو الاخر في السير على ذات النهج، حيث السب والطعن في شرف المنافس، واستخدام خطابا بذيئا، أما الخطاب الجهوي فقد تجاوز في بعض المراحل كل حدود المنطق، وسقط في قاع الانحطاط في مواقف كثيرة.

ويدعو مسعود التائب، إلى وضع ضوابط ونصوص قانونية تجرم هذا الخطاب بشكل صريح وواضح. ويضيف: ” في المقابل احذر من احتمالية استغلال بعض الأطراف هذا الحال لمصادرة الرأي الآخر، وتجريم حرية الرأي، ولذا فإنه من المهم جدا وضع خطوط فاصلة بين الخطابين تمنع التداخل بينهما. ولعل مواثيق الشرف الصحفي تساعد هي الأخرى في الحد من انتشار هذا الخطاب، وأن كنت أرى أن هذه المواثيق ستظل عاملا مساعدا، فهي غير ملزمة، وتجاوزها لا يفرض أي نوع من العقوبات، ووجودها قد يكون ذا أهمية وفاعلية في مجتمع مستقر، ومتفق على الخطوط العريضة التي ينتهجها، وعلى القيم العامة التي يتبناها، أما في الحالة الليبية فإن حالة الفوضى والغلبة تتطلب وجود تشريعات رادعة وملزمة لضبط الخطاب العام في مستوياته وابعاده ومجالاته المختلفة”.

مبدأ العدالة والمساواة

ضمن دينامية إيجاد حلول لمجابهة الخطاب التحريضي في وسائل الإعلام، أعلن المجلس الرئاسي الليبي تدشين المفوضية الوطنية العليا للمصالحة ابريل (2021)، لتكون صرحا يجمع الليبيين ويجبر الضرر ويحقق العدالة بينهم بما يكفله القانون. وأنشأت حكومة الوحدة الوطنية (2021)، الهيئة العامة لمراقبة المحتوى الإعلامي. دورها تعليمي وتدريبي وبحثي من أجل مراقبة تحسين جودة المحتوى الإعلامي الليبي ومكافحة خطاب الكراهية والتحريض والتضليل.

أشار مسعود التائب، إلى أن خطاب الكراهية سينتهي عندما يتحقق الاستقرار السياسي، والاتفاق المجتمعي، واعتماد مبدا الحوار لحل كل الخلافات، وتجنب لغة التخوين والتكفير والتعالي والازدراء بين فئات المجتمع، ونشر ثقافة التسامح وقبول الآخر، وسيادة مبدا العدالة والمساواة بين افراد المجتمع في كل الفرص الممكنة دون اقصاء، كما ان تفكيك مراكز القوى، وتأسيس سلطة واحدة مركزية تفرض هيبة الدولة، وتتيح المجال لإدارة محلية بصلاحيات واسعة، وتحقيق التنمية المكانية، كل ذلك من شأنه أن يحد من ثقافة الكراهية التي تنتج خطابا عدائيا للآخر.

ويضيف: “لابد من الاشارة إلى دور الثقافة والفنون في خلق حالة من الوعي والتفكير السليم والراقي، من خلال نشر المسارح، وقاعات الفنون، والفرق الموسيقية، وجعل كل ذلك متاحا على مستوى البلاد دون مركزية مقيتة.”

حرب الكترونية

وفي وقت سابق، أزالت شركة “ميتا” العام الماضي “41” حسابا على منصة الفيسبوك، و “133” صفحة وثلاث مجموعات و “14” حسابا على منصة الانستجرام. لافتة أن هذه المنصات الرقمية تنتهك سياسة الشركة. هدفها التلاعب بالرأي العام الليبي بشكل أساسي. وأن الأشخاص الذين يقفون وراء هذه الحسابات المزيفة أنشؤوا صفحات تزعم أنها تدار من قبل شخصيات نسائية للإدلاء ببيانات تحريضية نيابة عنهن، ثم يستخدمون صفحاتهم الأخرى للإشارة إلى هذه التعليقات الوهمية لانتقادهم.

هذا العنف الرقمي أحد أسباب إقرار قانون الجرائم الالكترونية للعام 2022، والذي اعتبره البعض يتضمن أحكاما قد تندرج تحت بند خطاب الكراهية. لاحتوائه على مصطلحات فضفاضة وعقوبات تتعارض مع المادة (19) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

يقول الصحفي رزق فرج رزق: المعروف أن مواقع التواصل الاجتماعي مفتوحة للجميع ومساحة غير مراقبة نسبيا وغير خاضعة للضوابط المهنية ومن المعلوم أيضا أن الصحفيين هم من صفوة المجتمع وأهل ثقة لدى الجمهور. وبالتالي ما إذا أشعل صحفي ما حربا على طرف ما متجردا من الموضوعية والمهنية ومتناسيا اخلاقيات المهنة بطبيعة الحال سيقف إلى صفه حشد من جمهوره، ويقف ضده حشد اخر. وهنا يبدأ الصراع المشحون بخطاب الكراهية المنبوذ الذي يخترق خصوصية وكرامة الأخر والنتيجة فجوة كبيرة تضر بالمجتمع وتزيد من اختناقاته وأزماته وتقفل الطريق أمام تقريب وجهات النظر، وتوتر العلاقة التي يفترض أن تكون مبنية على احترام الاخر واحترام الاختلاف في المواقف والآراء.

 وأعتبر رزق فرج رزق ـ وهو كاتب أيضا ـ “هذا الخطاب سببا رئيسا في تأخير مرور البلاد إلى بر الأمان. أيضا يقع على عاتق الصحفيين والاعلاميين الشرفاء أصحاب الخبرة والتجربة المهنية مسؤولية الارتقاء بالمجتمع للحد من كم خطاب الكراهية الذي نراه كل يوم بشكل غير لائق. كما يجب وضع حد لكل من يخالف الاعراف وشرف المهنة ونبذه ومنعه من الوصل إلى تسويق نتاجه المشحون بالكراهية في وسائل الإعلام بمختلف أشكالها.”

 

 

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …