منصة الصباح
علي الدلالي

قادة الظاهرة الصوتية

بالحبر السري

قادة الظاهرة الصوتية

بقلم: علي الدلالي

كشف بيان القمة العربية الإسلامية المزدوجة التي استضافتها السعودية يوم الجمعة الماضي مرة أخرى حالة التفكك الراسخة والخلافات المزمنة السائدة بين دول هاتين المجموعتين الإقليميتين عديمتي الفعل.
وجاءت مخرجات قرار هذه القمة – التي انعقدت بعد أكثر من شهر من العدوان الهمجي الغاشم وغير المسبوق لقوات الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في قطاع غزة المحاصر منذ حولي 17 عاما، وبعد أن تجاوز عدد الشهداء 11 ألف شهيد، 70 في المائة منهم من الأطفال والنساء، و25 ألف مصاب بجروح متفاوتة الخطورة، إلى جانب عدد غير معروف من المفقودين تحت الركام – على شكل تعبير إنشائي لتلاميذ مرحلة التعليم الإبتدائي، يفتقر إلى أدنى مستويات الفعل والتأثير.
استقبلت سلطات الاحتلال الإسرائيلي مخرجات هذا القرار البائس بمزيد من المحارق والقتل الجماعي وحصار المستشفيات وقصف بعضها بالطائرات والدبابات والمدافع، ونشر القناصة على أسطح المنازل المقابلة لها بعد تطويقها من كل الجهات، وأبرزها مجمع الشفاء الطبي، لقتل أي أحد يتحرك منه أو إليه، وهي تهدف بذلك إلى تسريع الموت الجماعي للكوادر الطبية والمرضى والمصابين من الأطفال والنساء والرجال، ومعهم آلاف النازحين الذين احتموا بهذا المجمع ظنا منهم أنهم في مأمن نظرا لكونه محميا بالقوانين الدولية والإنسانية والأخلاقية، غير أن التاريخ يقول إن إسرائيل فوق كل القوانين وإن الولايات المتحدة توفر لها الغطاء السياسي والدبلوماسي ناهيك عن الدعم العسكري المفتوح باعتبارها شريكة لها في كل المحارق ضد الفلسطينيين خاصة والعرب عامة.
نحن العرب، تأكيدا، “ظاهرة صوتية” كما قال المفكر السعودي عبد الله القصيمي قبل حوالي نصف قرن، وجاء هذا القول الذي أضحى أقرب إلى المثل، عنوانا لأحد أشهر كتبه (العرب ظاهرة صوتية)، وطبعنا بهذه العدوى الدول الإسلامية، وانتقلنا معها إلى ظاهرة كتابية بامتياز، ومن هنا جاء هذا البيان الذي كشف مجددا عن حالة بائسة من العجز والفشل والخذلان.
السعودية التي استضافت القمتين ودمجتهما في قمة واحدة، كانت قبل السابع من أكتوبر الذي جاء بـ “طوفان الأقصى”، تضع اللمسات الأخير للتطبيع مع الدولة العبرية وبالتالي كانت محصلة القمتين كلاما لا يسمن ولا يُغني من جوع، ولا يردع الدولة العبرية عن تنفيذ جرائم الإبادة الجماعية والتصفية العرقية والتجويع، بل لا يأتي بكسرة خبز واحدة أو جرعة ماء أو تطعيم لطفل فلسطيني، تمهيدا لاستكمال مسلسل التطبيع بعد أن ترتوي “إسرائيل من الدم الفلسطيني” وتضمن أمريكا الهيمنة الكاملة لقاعدتها الثابتة (إسرائيل) على تخوم منابع الطاقات قديمها وجديدها ومُتجددها.
اكتفت بعض العواصم العربية والإسلامية بمنح الإذن على مضض لثلة من المتظاهرين فيما منعت أخرى مجرد التظاهر واعتبرته خروجا عن ولي الأمر الذي لم يُحركه مشهد مدفع دبابة يضرب مستشفى وطائرات ترمي الموت على أحياء سكنية وتمسحها من فوق الأرض ومشاهد الموتى على الأرض في حجرات المستشفيات وأروقتها وعلى الطرقات التي لم يستطع الطاقم الطبي أو الأهالي دفنهم خشية قناص إرهابي نازي فاشستي يكمن وسط الركام.
رغم الألم والوجع والموت لم تستطع إسرائيل الدولة النووية بعد 40 يوما من حربها المصحوبة بعشرات جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، منها الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والتجويع والإكراه بالإرهاب على النزوح وقصف المستشفيات والمدارس والكنائس والمساجد، تحقيق أي انتصار في اليوم الـ 40 من هذه الحرب أمام بضع مئات من المقاتلين الجبارين … ولعل انتصارها سيكون على مستشفى الشفاء الذي يئن فيه المرضى دون دواء ولا أكل ولا ماء ولا كهرباء بعد أن روجت الأكاذيب بأنه غرفة عمليات لـ (حماس)، وصادق البيت الأبيض دون تردد على هذه الأكاذيب. فهل ما زال في العالم من يصدق أمريكا بعد ما جرى في العراق، ونستحضر هنا قول نيتشة لأحد الكذابين:” لست منزعجا لأنك كذبت علي لكنني منزعج لأنني لن أصدقك بعد هذه المرة؟
نجحت إسرائيل في تدمير قطاع غزة بالطائرات والقنابل الأمريكية وفي قتل آلاف المدنيين، معظمهم من الأطفال، لكنها لن تنجح أبدا في وأد المقاومة الفلسطينية للإحتلال وستفاجأ غدا بجيل آخر يتفوق على سابقه كما تفاجأت بهذا الجيل الذي ذبحت الجيل الذي قبله وشردته من أرضه بل وحاصرته حتى في لبنان في ثمانينيات القرن الماضي.

شاهد أيضاً

محافظ المركزي يلتقي وفدًا أمريكيا

  التقى محافظ مصرف ليبيا المركزي ناجي محمد عيسى والفريق المرافق له، مع مساعد وزير …