جمال الزائدي
طوال عشر سنوات اختلفنا في كل شيء ..اختلفنا حول الدولة ..مركزية أو لامركزية ؟..حول نظام الحكم ..رئاسي أو برلماني أو كوكتيل ؟..حول الشخوص والرموز .. وطنية أو غير وطنية ؟.. حول مصرف ليبيا المركزي وأي منطقة او قبيلة من حقها ان تضمه إلى مضاربها ..وحول مقر المؤسسة الوطنية للنفط في طرابلس أو بنغازي ..اختلفنا حتى على لون العلم او الراية ..ومن كان على حق ومن كان على باطل ..وتعاملنا مع خلافنا السياسي وكأنه صراع بين شياطين وملائكة وليس تباين وجهات نظر ورؤى ومصالح دنيوية ..
لم تجمعنا الهوية الواحدة ولا الدين الواحد ولا شفعت لنسيجنا الإجتماعي الذي مزقناه إربا المصاهرات والأنساب والعمومة والخؤولة ولا المليون حافظ للكتاب الكريم..
لكن الكرة فعلت ذلك وحققت ماعجزت عنه الشعارات الشاهقة والعناوين الرنانة ..تلك الجلدة المستديرة المملؤة بالهواء والتي تتفنن في ركلها أقدام 11 لاعبا على مدار ساعة ونصف..أعادت إلينا ليبيتنا التي أضعناها. .أعادت إلينا الإحساس بأخوتنا..أعادت إلينا رشدنا مرة واحدة ..
اول امس في ملعب بنينا تلقت مرمى نشنوش ثلاثة أهداف من المنتخب المصري الأكثر تنظيما وخبرة ..لكنني اعتقد – مع أني لست مدرب أو محلل أو صحفي رياضي – أننا لم نخسر شيئا في تلك المباراة ..
فقدنا قبل المباراة أهداف كبيرة ..هدف بناء الدولة الديمقراطية ..هدف تحقيق السلام الإجتماعي.. هدف التوزيع العادل للثروة ..هدف التنمية والتقدم ….هدف أن نثبت لأنفسنا أننا حقا شعب يستحق وطنا واحدا..
أما في تلك المباراة فقد حققنا أجمل الأهداف واروعها وهو ان نهتف باسم ليبيا من جديد بصوت واحد وعلى قلب واحد بلا جهوية مقيتة أو قبلية غبية أو حزبية ساذجة ..
المباراة لن تعيد بناء آلاف المنازل التي هدمت على رؤوس أصحابها في بنغازي وطرابلس ودرنة ومصراتة وتاورغاء وسبها والعزيزية وبني وليد ووو ..ولن تحيي جثامين شبابنا الغالي الذين قضوا سدى في صراعات على السلطة والسيطرة.. ولن تعوضنا في رصيدنا الإنساني والأخلاقي والإجتماعي الذي ذهبت به الخصومة والاحقاد المجانية..نعم لن تفعل ذلك لكنها على الأقل نبهتنا إلى أننا مازلنا شعبا واحدا وقف بملايينه الثمانية وراء أحد عشر لاعبا أشعلوا الأمل في ليل الوطن ..