منصة الصباح

‮«‬صفقة‭ ‬القرن‮»‬‭ … ‬هل‭ ‬توحد‭ ‬الصف‭ ‬الفلسطيني‭?‬

بقلم / علي مرعي

وأخيرا‭ ‬أعلن‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬عن‭ ‬صفقته‭ ‬التي‭ ‬يدور‭ ‬محورها‭ ‬حول‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬أحقية‭ ‬الدولة‭ ‬العبرية‭ ‬على‭ ‬أكبر‭ ‬مساحة‭ ‬من‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬مرتفعات‭ ‬الجولان‭ ‬المحتل‭, ‬حيث‭ ‬يقول‭ ‬المعلق‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬‮«‬واشنطن‭ ‬بوست‮»‬‭ ‬إيشان‭ ‬ثارور‭, ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مفاجئا‭ ‬أن‭ ‬يعلن‭ ‬ترامب‭ ‬عن‭ ‬‮«‬صفقة‭ ‬القرن‮»‬‭ ‬والتي‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬اتفاق‭ ‬سلام‭ ‬محتملا‭ ‬ولكن‭ ‬إعلانا‭ ‬لشروط‭ ‬الاستسلام‭ ‬للفلسطينيين‭, ‬وفيها‭ ‬السيناريو‭ ‬الذي‭ ‬يعطي‭ ‬إسرائيل‭ ‬السيادة‭ ‬على‭ ‬غرب‭ ‬وادي‭ ‬الأردن‭ ‬وعاصمة‭ ‬موحدة‭ ‬في‭ ‬القدس‭ ‬وسيطرة‭ ‬على‭ ‬الجيوب‭ ‬الاستيطانية‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭, ‬وما‭ ‬يحصل‭ ‬عليه‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬قليل‭.   ‬
هذه‭ ‬الصفقة‭ ‬التي‭ ‬أيدها‭ ‬البعض‭ ‬ورفضها‭ ‬البعض‭ ‬الآخر‭ ‬وتم‭ ‬التحفظ‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬آخرين‭, ‬وبين‭ ‬التأييد‭ ‬والرفض‭ ‬والتحفظ‭ ‬يبرز‭ ‬الموقف‭ ‬الفلسطيني‭ ‬المنقسم‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2007‭ ‬بين‭ ‬حركتي‭ ‬فتح‭ ‬وحماس‭ ‬الرافض‭ ‬لهذه‭ ‬الصفقة‭ ‬التي‭ ‬تمنحهم‭ ‬دويلة‭ ‬لا‭ ‬سيادة‭ ‬عليها‭ ‬ولا‭ ‬حدود‭ ‬تربط‭ ‬بين‭ ‬مدنها‭ ‬وقراها‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬نزع‭ ‬السيادة‭ ‬عن‭ ‬القدس‭ ‬وإلغاء‭ ‬حق‭ ‬العودة‭ , ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬يلبي‭ ‬الحد‭ ‬الأدنى‭ ‬من‭ ‬طموحات‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬الذين‭ ‬عانوا‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬سبعين‭ ‬عاما‭ ‬من‭ ‬ويلات‭ ‬الاحتلال‭ ‬الغاصب‭.   ‬
لقد‭ ‬جرب‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬كل‭ ‬المحاولات‭ ‬لإنهاء‭ ‬الصراع‭ ‬وكلها‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬طريق‭ ‬مسدود‭ , ‬لأن‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬في‭ ‬الأساس‭ ‬وخصوصا‭ ‬الدول‭ ‬الكبرى‭ ‬منحازون‭ ‬بشكل‭ ‬سافر‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ , ‬بل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬أوصلوا‭ ‬الأمور‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬النهايات‭ ‬الكارثية‭ .‬
وماذا‭ ‬بعد‭ ? , ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬أصبح‭ ‬واضحا‭ ‬وضوح‭ ‬الشمس‭ , ‬فلا‭ ‬أمريكا‭ ‬ولا‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬ولا‭ ‬حتى‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬ومجلس‭ ‬الأمن‭ ‬يملكون‭ ‬الشجاعة‭ ‬للاعتراف‭ ‬بالحقوق‭ ‬المشروعة‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وبالتالي‭ ‬لم‭ ‬يتبق‭ ‬أمام‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬أي‭ ‬خيار‭ ‬سوى‭ ‬رص‭ ‬الصفوف‭ ‬والمواجهة‭ ‬وأهم‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬كله‭ ‬هو‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬حالة‭ ‬الانقسام‭ ‬والتشظي‭ ‬ورسم‭ ‬رؤية‭ ‬موحدة‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬الأحداث‭ ‬التي‭ ‬ستنجم‭ ‬عن‭ ‬مخرجات‭ ‬الصفقة‭ ‬الأمريكية‭.   ‬
إن‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬السلام‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬بات‭ ‬من‭ ‬الماضي‭ ‬وأن‭ ‬حل‭ ‬الدولتين‭ ‬تلاشى‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬هناك‭ ‬غير‭ ‬الوحدة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬اتخاذ‭ ‬قرارات‭ ‬عملية‭ ‬ترتقي‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬الحدث‭, ‬فلا‭ ‬الخطابات‭ ‬ولا‭ ‬عقد‭ ‬المؤتمرات‭ ‬يمكنها‭ ‬أن‭ ‬تحدث‭ ‬اي‭ ‬تغيير‭ ‬في‭ ‬المواقف‭ ‬الدولية‭ ‬إلى‭ ‬جهة‭ ‬الصراع‭ ‬الفلسطيني‭- ‬الصهيوني‭. ‬
‭ ‬وكما‭ ‬يقول‭ ‬المثل‭ ‬‮«‬رُب‭ ‬ضارة‭ ‬نافعة‮»‬‭, ‬فإعلان‭ ‬ترمب‭ ‬عن‭ ‬صفقته‭ ‬المشؤومة‭ ‬قد‭ ‬تدفع‭ ‬بالفلسطينيين‭ ‬إلى‭ ‬التفكير‭ ‬بجدية‭ ‬لإعادة‭ ‬النظر‭ ‬بكل‭ ‬السياسات‭ ‬السابقة‭ ‬التي‭ ‬أفضت‭ ‬إلى‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬التشرذم‭ ‬والانقسام‭ ‬ورسم‭ ‬خطط‭ ‬جديدة‭ ‬قائمة‭ ‬في‭ ‬أساسها‭ ‬على‭ ‬توحيد‭ ‬المؤسسات‭ ‬وإعلان‭ ‬النضال‭ ‬لمواجهة‭ ‬كل‭ ‬المخططات‭ ‬الصهيونية‭ ‬والأمريكية‭ ‬وبعض‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬تستهدف‭ ‬طمس‭ ‬القضية‭ ‬وإنهائها‭ . ‬
لقد‭ ‬عول‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬في‭ ‬الماضي‭ ‬ومعهم‭ ‬بعض‭ ‬العرب‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬سمي‭ ‬حل‭ ‬الدولتين‭ ‬ولم‭ ‬يضعوا‭ ‬في‭ ‬حسبانهم‭ ‬أن‭ ‬الاعتراف‭ ‬الأمريكي‭ ‬بشرعية‭ ‬المستوطنات‭ ‬الصهيونية‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬قد‭ ‬شكل‭ ‬بداية‭ ‬النهاية‭ ‬للدولة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المفترضة‭ ,‬وهذا‭ ‬الاعتراف‭ ‬الأمريكي‭ ‬جاء‭ ‬متناغما‭ ‬بشكل‭ ‬دقيق‭ ‬مع‭ ‬نظرة‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬ليست‭ ‬أراض‭ ‬محتلة‭ ‬بل‭ ‬يسري‭ ‬عليها‭ ‬‮«‬تسوية‭ ‬أوضاع‭ ‬حرب‮»‬‭ ‬ليس‭ ‬إلا‭ , ‬في‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬انتصار‭ ‬الكيان‭ ‬الغاصب‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬1967‭ . ‬
بعد‭ ‬أن‭ ‬‮«‬وقع‭ ‬الفأس‭ ‬في‭ ‬الرأس‮»‬‭ ‬كما‭ ‬يقولون‭ , ‬ما‭ ‬هي‭ ‬البدائل‭ ‬الموجودة‭ ‬أمام‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وحركات‭ ‬المقاومة‭ ‬والشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬غير‭ ‬التنديد‭ ‬واللطم‭ ‬والرفض‭ ‬الإعلامي‭ ‬والارتهان‭ ‬للخارج‭ ?  ‬مما‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬البديل‭ ‬الوحيد‭ ‬المتاح‭ ‬أمام‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬هو‭ ‬مواجهة‭ ‬سياسات‭ ‬الأمر‭ ‬الواقع‭ ‬وإعادة‭ ‬صياغة‭ ‬المشروع‭ ‬الوطني‭ ‬القائم‭ ‬في‭ ‬الأساس‭ ‬على‭ ‬العمل‭ ‬المسلح‭ ‬ضد‭ ‬الاحتلال‭ , ‬وتفعيل‭ ‬كل‭ ‬الأدوات‭ ‬السياسية‭ ‬والدبلوماسية‭ ‬وتسخيرها‭ ‬في‭  ‬المحافل‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية‭ ‬للضغط‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬الدول‭ ‬الأجنبية‭ ‬والعربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬لتغيير‭ ‬مواقفها‭ ‬التي‭ ‬أيدت‭ ‬بشكل‭ ‬أو‭ ‬بآخر‭ ‬‮«‬صفقة‭ ‬القرن‮»‬‭  ‬وهنا‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬نطرح‭ ‬السؤال‭ ‬التالي‭ : ‬هل‭ ‬بإمكان‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وحركات‭ ‬المقاومة‭ ‬التوافق‭ ‬على‭ ‬صيغة‭ ‬موحدة‭ ‬تكون‭ ‬أحد‭ ‬أركانها‭ ‬المقاومة‭ ‬المسلحة‭ ‬ضد‭ ‬الكيان‭ ‬الغاصب‭ ‬أم‭ ‬أن‭ ‬الخلاف‭ ‬سيظل‭ ‬قائما‭ ? ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬بجميع‭ ‬أطيافهم‭ ‬السياسية‭ ‬قد‭ ‬لمسوا‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬خيبة‭ ‬أمل‭ ‬حقيقية‭ ‬بعد‭ ‬النوايا‭ ‬الأمريكية‭ ‬الواضحة‭ ‬وغير‭ ‬الملتبسة‭ ‬تجاه‭ ‬الحق‭ ‬الفلسطيني‭ ‬والانحياز‭ ‬الكامل‭ ‬للدولة‭ ‬العبرية‭ ‬وبالتالي‭ ‬فإن‭ ‬كل‭ ‬الخيارات‭ ‬أصبحت‭ ‬متاحة‭ ‬أمام‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬ومفتوحة‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬الاحتمالات‭ ‬وأهمها‭ ‬المواجهة‭ ‬المسلحة‭ ‬مع‭ ‬المحتل‭ ‬الصهيوني‭ ‬لأنه‭ ‬السبيل‭ ‬الوحيد‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬الحقوق‭ ‬والثوابت‭ ‬وأيضا‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬الرفض‭ ‬المطلق‭ ‬لما‭ ‬أقدم‭ ‬عليه‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬من‭ ‬التلاعب‭ ‬بمصير‭ ‬ملايين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬الفلسطيني‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬الشتات‭ . ‬
لقد‭ ‬أعطى‭ ‬ترامب‭ ‬في‭ ‬صفقته‭ ‬كل‭ ‬فلسطين‭ ‬للكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬وهو‭ ‬بذلك‭ ‬قد‭ ‬شرعن‭ ‬للفلسطينيين‭ ‬الجهاد‭ ‬والمقاومة‭ ‬والعودة‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬إلى‭ ‬نقطة‭ ‬الصفر‭ ‬وأغلق‭ ‬كل‭ ‬الأبواب‭ ‬أمام‭ ‬أي‭ ‬مسار‭ ‬سياسي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يوصل‭ ‬إلى‭ ‬إنهاء‭ ‬الصراع‭ ‬وإعطاء‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬حقوقهم‭ , ‬وهنا‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬نتوقف‭ ‬قليلا‭ ‬عند‭ ‬مسألة‭ ‬مهمة‭ ‬وهي‭ ‬من‭ ‬سيطبق‭ ‬‮«‬صفقة‭ ‬القرن‮»‬‭ ?.   ‬
كثير‭ ‬من‭ ‬المحللين‭ ‬السياسيين‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتهم‭ ‬الصهاينة‭ ‬شككوا‭ ‬بنجاح‭ ‬الصفقة‭ ‬دون‭ ‬موافقة‭ ‬الطرف‭ ‬الفلسطيني‭ ‬حتى‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬دعم‭ ‬عربي‭, ‬ولكن‭ ‬الخشية‭ ‬والخطورة‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬قد‭ ‬يستغل»الصفقة‭ ‬الترامبية‮»‬‭ ‬ويعمل‭ ‬على‭ ‬تجديد‭ ‬رسم‭ ‬حدوده‭ ‬ويضم‭ ‬أجزاء‭ ‬من‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬وغور‭ ‬الأردن‭ ‬استنادا‭ ‬للاعتبارات‭ ‬الأمنية‭ ‬ووفقا‭ ‬للمصالح‭ ‬الإستراتيجية‭ ‬الصهيونية‭ .‬

علي‭ ‬مرعي

شاهد أيضاً

ليبيا تناقش رفع الحظر عن الطيران الليبي في أوروبا

ناقش المكلف بتسيير شؤون ديوان وزارة الخارجية الطاهر الباعور، مع وزير خارجية الدنمارك لارس لوكي …