بقلم/سليم يونس
ونحن نقارب صفقة القرن كأخطر مشروع تقوده الولايات المتحدة بخلفية أيديولوجية صهيونية مسيحية، ويهودية صهيونيه قادها ترامب وصهره ونتنياهو، فإننا لا نعفي الجانب الفلسطيني من مسؤولية ما وصلت إليه الحالة الفلسطينية ، لأن ما يعيشه الواقع الفلسطيني الآن هو نتيجة لمسار قرر فريق فلسطيني المشاركة فيه عن وعي ومع سبق الإصرار عام 1993.
سيرورة
ليكون السؤال لماذا استمر التمسك بذلك الخيار حتى إعلان صفقة القرن؟ فيما المنطق يقول أن المشهد الفلسطيني يسير إلى هذه النتيجة بفعل قانون التراكم، ويصبح من غير المنطقي غياب ليس التقدير فقط ولكن الخطط العملية الفلسطينية لمواجهة ما كان يرتب عمليا من قبل السمسار ترامب ورئيس وزراء الكيان الصهيوني على ضوء جملة السياسات الصهيونية المنفذة على الأرض والمواقف الأمريكية الداعمة للرؤية الإسرائيلية لما يسمى بالحل السياسي، الذي أفرغ حل الدولتين والحل السياسي بشكل عام من مضمونه، عبر اعتبار أن القدس هي العاصمة الموحدة الأبدية لكيان الاحتلال، ونقل سفارتها إليها وتحريض دول العالم أن تحذو حذوها، وإضفاء الشرعية الأمريكية على الاستيطان، وقطع تمويلها عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، والتحريض عليها، واعتبار فلسطين المحتلة دولة قومية يهودية.. ليكون السؤال لماذا ظلت القيادة الفلسطينية متشبثة بخيار أوسلو عمليا رغم كل الإجراءات الصهيونية التي أفرغت موضوع الدولة من محتواه، ورغم تأكيد السطلة الفلسطينية اليومي نظريا أن أوسلو لم يعد موجودا، ليس بسبب عدم وفاء كيان الاحتلال بأي من التزاماته في ذلك الاتفاق المشؤوم وفقط، ولكن لأنه على مدى سنوات جرى ترسيخ وقائع على الأرض تنفي موضوعيا أي أفق لحل الدولتين وبدعم مباشر من أمريكا، في وقت كان الطرف الفلسطيني يعول على النوايا الإسرائيلية والأمريكية، وينتظر منهما حلا يستجيب لحقوقه في حدها الأدنى؟ وهو تعويل كانت تنفيه الوقائع اليومية على الأرض، حتى أن فكرة اعتراف الكيان الصهيوني بدولة فلسطينية لم يكن واردا لدى الكيان الغاصب وهو ما كشفه اليهودي الصهيوني جاريد كوشنير صهر ومستشار الرئيس ترامب لصحيفة القدس من أنه» حتى خلال مفاوضات اتفاقية أوسلو لم تكن إسرائيل مستعدة للاعتراف بدولة فلسطينية».
الوقائع ووهم حل الدولتين
ولعل جذر المسألة فيما وصلت إليه الحالة السياسية الفلسطينية الآن، مع أنه كان واضحة منذ البدء ما هي مآلاته النهائية، هو أن ميزان القوى القائم عند عقد اتفاق أوسلو، لم يكن يسمح بانتزاع حل سياسي يأتي بدولة فلسطينية وفق الرؤية، أو الطموح الفلسطيني، وهو الذي لم يعد ممكنا موضوعيا الآن، على ضوء ما جري تكريسه على الأرض وتشريعه صهيونيا وأمريكيا، ومع ذلك بقي الرهان الفلسطيني مستمرا في أن خيار أوسلو يمكن أن يأتيه بحل سياسي، وهذا هو العبث بمعناه الفكري والسياسي، كونه رهان لم يكن له أساس موضوعي ومع ذلك لم تبادر الجهات الفلسطينية باجتراح إجابات للرد على الوقائع الجديدة حتى جاءت صفقة ترامب.
لماذا وصلنا هنا؟
قد يتساءل البعض ما جدوى جلد الذات الآن، وأنا أقول كيف لنا أن نواجه صفقة ترامب وصهرة الصهيوني إذا لم نراجع تلك المسيرة البائسة ونخرج من التفكير من داخل الصندوق، ومغادرة ذلك المسار على الصعيد السياسي والكفاحي والتعبوي، كون التصدي لصفقة ترامب تحتاج هذه المراجعة والاستفادة من دروسها المؤلمة، مع قناعتي أنه ما من قوة على الأرض مهما عظمت وتجبرت، يمكن أن تجبر الفلسطيني على التفريط في حقوقه الثابتة في تقرير المصر وتحقيق العودة أمام الـ»لا» الفلسطينية.
لكن من الواجب كي نحصن هذه الـ»لا» ونواجه عملية تصفية القضية الفلسطينية معا، أن نضيء على ذلك الخيار السياسي الفلسطيني الذي أوصلنا إلى صفقة القرن، وهي مقاربة تستهدف تبيان خطل الخيار والسياسات، وهي تتعدى الأشخاص؛ كون هذا الخيار كان خيار طيف واسع في المشهد الفلسطيني، صدّق أن الكيان الصهيوني يمكن أن يمكِّنه من إقامة دولته المستقلة، لأن السؤال من الذي سيجبر ذلك الكيان العدواني الغاصب العدواني على الإقدام على ما يسميها التنازلات المؤلمة للطرف الفلسطيني، الذي يعيش وطنيا حالة من الضعف والانقسام، ومن جانب آخر زحف ما يمكن تسميته بالظهير الرسمي العربي على أربع نحو التطبيع معه، بل ويعلل هذا الزحف باتفاق أوسلو.
مشكلة بنية أوسلو
لكن ما يهمنا في إطار هذه المقاربة، هو أنه فيما الكيان الصهيوني يبني المستوطنات ويصادر الأرض، كان فريق أوسلو يعيش حالة من الاستاتيكية السياسية والفكرية، عجزت عن مواكبة والاستفادة من تجليات الغضب الشعبي الفلسطيني، ورد فعله الشعبي والعنفي على السياسات الصهيونية، هذا القصور في الاستفادة من الحالة الشعبية الفلسطينية باستثناء بعض حالات التوظيف المحسوب منها، كان يشير إلى عدم الرغبة في مغادرة أوسلو، دون أن يُقدم على تبني بدائل لمسار أوسلو، كون تلك البدائل ستمثل حالة قطع مع أوسلو، لأنها قبل أن تكون خيارا سياسيا هي خيار فكري، وسيكون لها بالضرورة تبعاتها في كل المجالات، في حين أن السلطة ارتباطا ببنيتها، لم تكن مستعدة لسلوك هذا المسار الكفاحي حتى بالمعنى العملي والسياسي، الذي ستكون له كلفة مؤلمة وربما يعود عدم استعداد السلطة إلى العجز وفقدان الإرادة، بتأثير تلك البنية السياسية والفكرية، بعد أن أصبح البعض أسير مخرجات أوسلو الذي تجلى في التمسك بالتنسيق الأمني، العنصر الوحيد الذي ظل فاعلا خلال تلك المدة البائسة، وكان لصالح الكيان الصهيوني حصرا.