منصة الصباح

يوم في يونيو

قصة قصيرة : آسيا الشقروني

كان يصعد الدرج الرخامي مسرعاً ولم يكن يستعمل الدربازين الكروم اللامع فهو مازال قوياً نشطاً، مبنى عمله حديث البناء بأبواب خشبية عادية ولكن جيدة، وأرضية من السيراميك متوسط الجودة، كان يصعد كعادته إلى مكتبه في الدور الثالث، كان فائض الحيوية والنشاط، دائم الابتسام مع طوله المعتدل وعينيه الصغيرتين الحادتين مثل عيني ثعلب وفمه الصغير… كان يعتبر نفسه وسيماً ربما ليس كثيراً ولكنه بالتأكيد ليس قبيح الشكل، ليس هناك إلا مشكله كرشه الذي ظهر متأخراً، مع أنه ليس ضخماً ولكنه كان يذكره كم ابتعد عن أيام الشباب.

لم ينزعج من خطوط الشيب الوافرة التي غزت شعره بالرغم من عمره الرابع والخمسين إلا أنه كان يشعر وكأنه فقط في الخامسة والثلاثين، وحتى هذا الشيب كان يعتبره فقط لمسة وقار أو لنقل هيئة جديدة وجميلة لمنظره عموماً.

كان يعرف مسبقاً بأنه عند انتهاء الدرج سوف يقابله مكتب يعج عادة بالموظفين من زملائه،كان يعتبرهم مجموعة بسيطة التفكير ومحدودة الأفق ، سوف يحييهم بصوته العالي ويستمر قدماً لمكتبه في نهاية الممر إلى اليسار، أيضا كان يعرف انه يوجد على اليمين مكتب لا يُرى إلا جزء بسيط منه، كان يظل فارغاً أمامه ولو احتاج لصديقه محمود يجده بالداخل، وبعدها يعدو لمكتبه الذي ينتظره بهدوء.

وصل آخر الدرج وبدأ بوصلة الصباحات الاعتيادية لمن قابلهم حانت منه التفاتة لليمين فوجد امرأة لم يستطع تحديداً أن يقدر عمرها هل كانت في أوائل الثلاثينات ، أم على أعتاب الأربعين؟ تساءل دماغه بسرعة البرق من هذه؟ من تكون؟ متى أتت؟كانت تجلس بهدوء و تطالع بعض الأوراق.

أراد أن يمعن النظر فيها ولكن انتبه لوجود الآخرين أمامه ومن المفترض أن يكون أكثر رزانة، غير خططه ودخل مكتبهم عوضاً عن التصبيح السريع من الخارج ليعطي لنفسه فرصة للتفكير فى الخطوة القادمة ليقترب من هذا الكائن الجديد.

دخل مكتبهم وحيا من فيه وسأل عن أخبارهم وكان يتكلم بعجلة، كي لا يضيع الوقت وكانت ملامح الخطة قد تربت في ذهنه سألهم عن زميلهم محمود الذي يفترض وجوده فى المكتب المجاور فردوا عليه اسأل الموظفة الجديدة عنه.

استأذن وهو يشعر بالغبطة واندفع بكل حيوية نحو مكتب السيدة، سأله عقله ماذا تفعل؟ ماذا ستقول؟ وأسكته القلب، فحاجات القلب أهم، فهو خبير ولن ينقصه العذر للتكلم مع السيدة الجديدة.

رسم ابتسامة رزينة على وجهه وطرق الباب وبادر السيدة “السلام عليكم،،، صباح الخير”

رفعت رأسها بهدوء وكأنها انتزعت من عالم آخر، وردت “وعليكم السلام صباح النور”.

كانت الثواني كافية لجعله يقوم بمسح شامل لكامل هيئتها،كانت عيناها كبيرتان سوداوان وفمها أيضاً كبير ولكن لم يعرف أن يحدد هل كان أنفها متوسطا أم يميل للكبر ولكنه كان واقفا هناك بشموخ، كانت ممتلئة بعضاً الشيء و تظهر عليها معالم الثراء من الخاتم الذهبي الكبير الذي يتربع على أحد أناملها ، لم تكن ترتدي عباءة أو جلبابا كما تعود من باقي زميلاته، كانت ترتدي قميصا أسود يزدان بورود كبيرة رمادية وبيضاء وبنطال أسود وتضع على رأسها منديلا أبيضا وكانت على جبهتها خصلات شعر هاربة بلون بنى غامق.

نبهه عقله بأن الثواني تمر وأن وقوفه أصبح مربكاً ،عليه أن يرتجل شيئاً بادر بالسؤال” أين الأستاذ محمود؟”

ردت السيدة بصوت عذب لم يأت بعد.

غلب عليه طابعه العربي الأصيل بحس الفضول لديه وسألها “هل أنت جديدة معنا؟”

أجابت بكل هدوء ” نعم منذ حوالي الشهرين”.

قال لنفسه شهرين

شهرين ولم ألحظها

أحس بقليل من الغباء ولام نفسه على عدم انتباهه الكافي ليلمحها. وطلب منها أن تبلغ السيد محمود بسؤاله عنه وقال “قولى له فلان”.

رفعت يدها وقالت” لحظة” سحبت قصاصة ورق وقلم رصاص وسألته” من فضلك أعد الاسم مرة أخرى” فهي تذكرت اﻻسم ونسيت اللقب

شعر بقليل من الإحاطة أعاد عليها الاسم مرة أخرى .

وقال “شكرا ونهارك سعيد” لعل هذه التحية المختلفة ترسخ فى ذاكرتها.

ردت ببرود مع ابتسامة باهتة “عفواً”.

انسحب من مكتبها مثقل الخطى بطيء الحركة، يكاد يجر رجليه جراً لمكتبه وكانت تتراقص أمامه صورة هذه الجميلة، وصل مكتبه فتحه بمفتاحه وضع حقيبته ونظارته الشمسية على مكتبه الخشبي، وانهار جالساً على مقعده الجلدي الوثير.

حاول أن يستعيد التفاصيل قبل أن تغيب عنه، كانت نظرتها ثاقبة ولكن غير جادة كانت واثقة جداً من نفسها لدرجة تربك من كان أمامها كانت تضع مكياجاً خفيفا جميلا زادها بهاء ،،،كيف وهو من يكره المكياج وكان يعتبره مجرد ألوان طلاء زائفة.يالله كيف تغيرت مفاهيمه بهذه السرعة ولكنه برر لنفسه أن من يضعون المكياج كانوا يضعونه بطريقة مبهرجة صارخة منفرة ولكن هذا مختل شخيضاً ارتداؤه للبنطال كان غريباً بعضاً الشيء فهو تعود أن يرتدنه يكن صغيرات فى السن ولكن هذه السيدة ذكرته بمن كان يطالعهن فى التلفزيون من سيدات البيت الأبيض .

ماذا أيضاً ماذا هناك في هذه السيدة لفت انتباهه وجعله مبهوراً ربما ملابسها المختلفة ربما طريقة كلامها ،،،ولكن كان هناك شيء مزعج بحث في ذاكرته أه هو خاتم الزواج في خنصرها الأيسر ولكن لا يهم.

كاد يموت كمداً ليعرف من تكون هذه السيدة وما اسمها وكيف يفتح حوار امعها.

شعر بأن الجو خانق وأن رأسه ثقيل، أفاق من أفكاره ليجد نفسه أنه قد نسي أن يفتح شباك مكتبه أو يشغل التكييف في هذا اليوم الحار من شهر يونيو.

تنهد بهدوء وقد ارتسمت على شفتيه ابتسامة طفيفة ،،،وفتح جهازه ليرى آخر مستجدات بريده الإلكتروني وما الجديد فى برامج التواصل الاجتماعي.

شاهد أيضاً

مُشاركة ليبية في كتابٍ عالمي حول ثقافات السلام

  شاركت عميد كلية اللغات بجامعة بنغازي “د.هناء البدري”، رفقة أخريات من فلسطين، والسعودية، وبريطانيا، …