بقلم / جمال الزائدي
الصحافة الحرة ليست رهينة قرار سياسي ، أو قرار من صاحب رأس المال الممول ..لكنها – كما اعتقد – ركيزة من ركائز منظومة ديمقراطية قائمة على مبدأ فصل السلطات ، تلعب فيها الصحافة والاعلام ضمنا دور الرقيب الملتزم بقواعد اللعبة ، وتحميه قوانين ولوائح ومواثيق شرف مهنية وغيرها ..
وبرغم التغول التكنولوجي ممثلا في الفضاءات المفتوحة ، المتاحة عبر السوشيال ميديا ، التي مكنت لغير أرباب المهنة من المساهمة في تناول الاخبار وتناقلها والتعليق عليها ، وعززت من تسيد عنصر الصورة الثابتة والمتحركة ..فإن الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة مازال له مايبرره في الدول التي تتمتع باستقرار سياسي واقتصادي وسلم اجتماعي قائم على شرعية دستورية واضحة ..
هناك ومع كل التحفظات العملية والايديولوجية ، على جدوى الدور المهم الذي تقوم به الصحافة في مراقبة اداء السلطات ، وطغيان الطبقات المسيطرة على رأس المال والانتاج ..مازال ثمة احساس بالحاجة لوجود وجهة نظر ثالثة مستقلة في الصراع المجتمعي المحتدم وفق آليات تنظم العلاقة بين الحكام والمحكومين ..
نعم لا بأس من تكرار التأكيد ، أنه لم توجد بعد الصحافة المحايدة والصحفي الحر ، حتى في اعرق الديمقراطيات ..لكن على الاقل يمكننا الحديث عن صحافة محترفة ملتزمة بمفردات القاموس المهني ..وصحفي يتمتع بقدر من المسؤولية تجاه الحقيقة وتجاه المجتمع الذي ينتمي اليه ..لذلك لايكاد يخلو تقرير من التقارير السنوية الصادرة عن مؤسسات ومنظمات دولية مستقلة مهتمة برصد احوال حرية الصحافة في العالم ، من رصد انتهاكات وملاحقات قانونية ضد عشرات بل مئات الصحفيين ممن رفضوا خيانة الحقيقة تحت أي مبرر من المبررات التي يتفنن الساسة في اختلاقها ..
أما في بلدان العالم الثالث ، وفي بلادنا تحديدا..سيبدو الحديث عن امكانية وجود صحافة حرة أو حتى صحافة تتمتع بحرية محدودة ، تحت الشرط السياسي والأمني الحالي ..أشبه بالحديث بل أكثر صعوبة من الحديث عن المستحيلات الثلاث ” العنقاء والغول والخل الوفي ” ..
وإذا كانت حرية الكلمة و الرأي المرتبطة بمفهوم المواطنة مستحيلة في ظل حرية مطلقة للرصاصة والقذيفة والصاروخ ، فمن باب أولى ألا يكون للصحافة الحرة مكان ولا وجود ولاصوت..
بل أن مشكلة الصحافة والصحفيين على المستوى الوطني ، صارت أكثر تعقيدا وأكثر إثارة للتقزز ..حين ينصرف الصحفي مستغلا واقع الصراع والتشرذم الى لعب دور شاعر القبيلة في الزمن الجاهلي..ويتحول الى بوق يؤجج الفتن والانقسامات .. يشتم هذا الطرف ويمجد هذا الطرف ..كل ذلك سعيا للمنفعة الشحصية ..مساحة أكبر للظهور عبر شاشات الفضائيات الممولة بالمال السياسي الفاسد ..ودراهم معدودات لاتسمن ولاتغني من جوع ..