منصة الصباح

ياحصلتنا في مسعوده

زايد..ناقص

جمعة بوكليب

” ياحصلتنا في مسعوده، وحصلة مسعوده فينا.” ومسعوده المعنية في المثل، المقصود بها الوباء الفيروسي المدعو “كورونا.” تذكرتُ هذا المثل، وأنا أتابع على شاشة تلفاز أخبار الموجة الثانية من هجومه علينا، مؤخراً، بعد أن كنّا قد استرحنا قليلاً منه، ومما سببه من ضيق في صدورنا، وآلام في أرواحنا، وحيرة في عقولنا، وما أحدثه من أضرار بليغة ببني البشر  سواء بافتراسهم وحرمان أهلهم وذويهم من رفقتهم، أو بالقضاء على أرزاقهم ومصادر معاشهم اقتصادياً، وصرنا نتطلع بترقب إلى اليوم الذي نتخلص فيه نهائياً من مصائبه، لكننا فؤجئنا مؤخراً بعودته واستفحاله، وعودة الارتباك والخوف إلى حياتنا، واضطرارنا  إلى حماية أرواحنا بالاختباء وراء جدران، وارتداء كمامات، و…إلى آخر القائمة الطويلة من الاحترازات التي صممها لنا مختصون من أهل العلم، ومسؤولون ممن يتولون أدارة وتنظيم  شؤوننا.

عام على وشك الانتهاء، منذ حلول الوباء على سكان اليابسة، ولم نتمكن نحن بعد من القضاء عليه، أو يغادرنا هو إلى غير رجعة، وكأنه مسعوده التي ذكرها المثل. ذخيرتنا من الصبر نفدت، أو على وشك. وابتهالاتنا ودعاؤنا تلاشوا مثل غبار في فضاء مفتوح على سماء حجبها عنّا تلوث بيئي، حتى كدنا نصير كأيتام على موائد لئام: أمامنا حياة مبسوطة ومنفسحة ومليئة بمباهج، كسفرة عامرة بكل أصناف الطعام، ولكن محرّم علينا الأقتراب منها، وتذوق ما فيها من وجبات. ولم يبق لنا سوى أمل في أن يتمكن العلماء والمختصون في علم الفيروسات من التوصل إلى لقاح يقينا شرّه وضُرّه، ويعيد إلينا صوابنا، وثقتنا بأنفسنا وبالحياة وبالعلم وبالمستقبل، ويكسر القيود التي أحاطت بنا من كل جانب، ويعيد إلينا علاقتنا المريبة مع الدنيا، ولنسترد ما أفتقدنا من روتين،، ولنعود إلى التسكع على أرصفة شوارع مزدحمة بحركة مرور وبالتلوث، ونتأفف، كما كنا نفعل، من الملل والضجر، ونشتم الامبريالية والاستعمار والعولمة، ونغني مع أحمد عدوية بصـــــــــوت عال” بأحب الناس الرايقه اللي بتضحك على طول” ونحن، في ذات الوقت، نبكي بدموع غير مرئية، مما نراه يحدث في بلداننا من دمار وأحتراب ونهب وسلب، وتحطيم للذات الانسانية.

محطة وصول قطارنا إلى محطته الأخيرة، حيث بامكاننا تنفس الصعداء فرحا بسلامتنا، ووصولنا إلى برّ الأمان، مازالت، وفقا لمعطيات الواقع، بعيدة. وهذا بالضرورة يحتّم علينا إعادة مراجعة حساباتنا، وتعديل خرائط توقعاتنا، وفقاً لما يستجدّ، يوماً بيوم، من ظروف في حركة انتشار الوباء. وفي نفس الوقت، يجب ألا نتوقف عن التفكير في أفضل الطرق والخطط التي تساعد قطارنا على الوصول إلى محطته المرتجاة، بأقصر وقت وبسلام، لأن استمرار وجود الوباء بيننا طليقاً، يسرح ويمرح مُحصّناً، في كل الجهات والاتجاهات، سوف يقف حاجزاً منيعاً بين نفوسنا وشعورها بالأمن والامان، وبقدرتنا على مواصلة الحياة، وتحقيق ما نقدر عليه، وما يتاح لنا من طموحاتنا وأحلامنا. وخلال هذه الهجمة الوبائية الثانية، وصلتُ إلى استنتاج مفاده أن الوباء كورونا أو كوفيد استحسن وجوده على الأرض وبين البشر، لأنه أدرك بفطنته أنه كلما أطال من وجوده توطد اسمه في صفحات كتب التاريخ، وضمن أن تذكره الأجيال، جيلا إثر جيل. ليس مهماً للوباء الكيفية التي ستذكره بها كتب التاريخ، أو ما يشعر به البشر لدى تذكره في المستقبل، لأن الأوبئة تذكرني شخصياً بالحكام الطغاة كل ما يهمهم هو أن تذكرهم كتب التاريخ، ويحتفي بهم المؤرخون، وتتناقل أسماءهم الأجيالُ، أماغير ذلك مما ارتكبوه من كوارث ودمار ودماء، فليس مهماً إلا لذوي ضحاياهم.

 

 

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …