منصة الصباح

و . ط . ن ..

جمال الزائدي

الوطن ببساطة  مكان تنجز فيه مواطنتك الكاملة غير المنقوصة ..

أما الأبراج العملاقة أو الكباري الضخمة  أو حتى الذكريات ومراتع الطفولة وتراب الأجداد كل ذلك لن يكفي ليربطك بالمكان إذا خالجك الإحساس بأن المكان نفسه لم يعد مكانك ولم يعد يلبي شروط آدميتك ويرتقي إلى مستوى احلامك وتطلعاتك وما تتخيله لمستقبل اولادك وأحفادك ..

مضارب القبيلة واطلال منازل الحبيبة ليست وطنا ..بل أن التراث نفسه بكل محمولاته الثقافية المقدسة والمدنسة لايمكن ان يعادل الوطن حتى وهو يشكل جزءا من الوجدان الجمعي ويتجلى كمعطى أساسي في الهوية المحلية الآخذة في الاضمحلال والتلاشي عند هذه اللحظة الكونية المرتهنة لجبروت العولمة الغامرة وهي تكتسح الكوكب  من أقطابه الأربعة بلا رحمة ودون هوادة ..

الوطن أيضا لا يمكن أن يكون  وفرة أو طفرة مالية يتيحها تدفق كرم الطبيعة بالبترول والغاز  حتى تصير ثريا وصاحب نفوذ بالانتماء العائلي او بمداهنة السلطة والا لما تسابق الشيوخ والأمراء من حملة الجنسيات النفطية على اكتساب جنسيات بلاد أخرى كافرة ومتهتكة أخلاقيا حسب معايير الثقافة التي ترعرعوا فيها ..

الوطن ليس  ما سبق..لان كل ما سبق يستحيل أن يكون بديلا علاجيا مضمونا لمرض فقدان المواطنة الذي يؤدي بدوره لتحول الوطن والوطنية الى مجرد مسكن او مخدر يتجرعه الفقراء السذج لمخاتلة جوعهم وعريهم وخصاصتهم بينما اللصوص ينهبون المليارات من تحت أقدامهم تارة بإسم التنمية وملاحقة التقدم وتارة بإسم الدفاع عن حياض الوطن الغالي ..

جنود المارينز الذين يموتون في العراق وسوريا وأفغانستان وفي أي بقعة على الأرض فيها مصالح لأمريكا وهم لايحملون سوى البطاقة الخضراء ..لا يقاتلون من اجل مجد ولا كرمى لتاريخ جورج واشنطن و ابراهام لينكولن إنما يقامرون من اجل الحصول على المواطنة الامريكية الكاملة وهي تعني الوعد بحياة وافرة الفرص في ظل دستور وقوانين محترمة حتى وان كانت تحت رعاية رأسمالية لاتلين ولاتشفق ..

الأوطان التي مازالت تعتاش على امجاد الزير سالم وسندباد وبوزيد الهلالي وهارون الرشيد والتي يبقى فيها السيد سيد والعبد عبد إلى يوم القيامة بمبرر الخصوصية الحضارية والثقافية والدينية مكانها متاحف الشمع المزروعة في عواصم العالم لأنها بنهاية هذا القرن ستكون اندثرت كما اندثرت الديناصورات..

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …