وقت مستقطع
سالم البرغوثي
ثمة سؤال جوهري يطرح نفسه على الصعيد الوطني في ظل انشغالنا بأزمتنا السياسية ومحاولة الخروج من عنق الزجاجة إلى طريق الخلاص والعودة إلى محيطنا العربي والإقليمي والإفريقي وإعادة صياغة خارطتنا الجيوسياسية وتقييم تحالفاتنا الاستراتيجية وسياستنا الخارجية . من خلال الانعطاف التاريخي الذي قادة البلاد إلى ثورة فبراير 2011 كان معظم ممثلي الثورة من مشارب سياسية مختلفة ومعارضين سابقين ينتمون إلى مدارس فكرية متباينة ومتعارضة .وكأي ثورة تقع تحت الخوف من الاعتداء على ماتعتبره منجزها التاريخي تشكّل تحالف المتعارضين والمختلفين أو ما يعرف بتحالف الضرورة لإسقاط النظام .غير أن التحالف لم يتمكن من التماسك والصمود والاستمرار بعد سقوط النظام حيث تسلل الشك بين الاطراف السياسية فذهب كل طرف إلى الحليف الإقليمي أو الدولي الذي كان يدعمه يستنجد به ويطلب تدخله ومساعدته. لست هنا للحديث عن التصنيفات السياسية التي حدثت بعد الثورة ولا عن صعود نفوذ التيار الإسلامي ولا عن قانون العزل السياسي ولا عن المربعات الأمنية التي سيطرت على مفاصل الدولة وأدى إلى ضعفها وإنهاكها بالحروب الداخلية المدعومة من الشركاء الإقليميين والدوليين حتى بات بناء الدولة الوطنية حلم يراود الجميع . لكن من المهم العودة إلى السؤال الجوهري إلى أين تتجه الدبلوماسية الليبية وسط هذه الإكراهات ومدى إنسجامها مع محيطها العربي والإقليمي والذي يشهد تحولات كبيرة وخطيرة ولا مجال فيها للدول المنهكة . لا اعتقد أن لدينا رؤية واضحة في علاقاتنا الخارجية مع دول الجوار ولا حتى مع الشركاء الاقليميين الدوليين . ثمة من يقول أن الدبلوماسية الليبية تاهت بعد الثورة وفقدت البدايات حين قيدت نفسها بالتزامات مع الذين دعموها لإسقاط القذافي وينبغي للنظام السياسي القائم أن يجد له أجوبة على كيفية حماية الدولة من السقوط أو التعرض للإبتزاز من فضاءات لا تراعي مصالح ليبيا أو تحترم سيادتها الوطنية . قبل أشهر تم استبعا نجلاء المنقوش وزيرة الخارجية في حكومة الوحدة الوطنية لأسباب تتعلق بلقائها مع وزير خارجية العدو الإسرائيلي في روما . وفي 2019 أجرت صحيفة معاريف الإسرائيلية حوار مع عبدالهادي الحويج وزير خارجية الحكومة الليبية في شرق البلاد حول مسألة تطبيع العلاقات . وبغض النظر عن مدى صحة لقاء المنقوش أو حوار الحويج لكنه يعطي إنطباع غير صحي بدخول الدبلوماسية الليبية في متاهات وانتكاسات ليس لها أول ولا أخر .كما أن هناك ملفات صعبة لا يمكن الخوض فيها مالم تكن هناك حكومة موحدة ومستقرة .فمسألة التواجد العسكري التركي أو الروسي أو الاختلاف حول العلاقات الليبية المصرية والتركية والموقف الليبي من الحرب الدائرة في السودان وترسيم الحدود مع دول الجوار وملف الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر الذي لا يصب في المصلحة الوطنية العليا .فإدارة هذا الملف تتقاسمه دول وقوى عظمى تخدم ثوابت أمنهم القومي على حساب دول حوض المتوسط والساحل والصحراء . خلاصة القول بأن الدبلوماسية الليبية تجاه هذا الملفات يشوبها الكثير من الغموض وعدم الوضوح الناتج عن عدم الاستقرار السياسي .