بقلم /جمال الزائدي
لماذا لا يفاجئني ظهور اقلام ليبية ناضجة جدا انضج حتى من روادنا تنشر عبر صفحات التواصل الاجتماعي ..بعضها لم يبلغ سن الحلم وبعضها الآخر بالكاد لامس حائط العشرين ..هم أبناء سنوات الجمر نبتوا وترعرعوا وسط الرماد والدمار والجثت المحترقة ..وصادقوا الموت وناموا مع الخوف والرعب ولعبوا مع الرصاصة والقذيفة الطائشة لعبة الحظ العمياء..لم يستذكروا في كتب الدرس قصصا زائفة عن أمجاد هذه السلالة الخارقة ..ولم تتسلل إلى عقولهم وافهامهم أكاذيب عن ورع وتدين هذا القطيع المقدس ..لقد رأوا كل شيء رؤيا العين وليسوا بحاجة الى مؤرخ مأجور يصنع من زعماء الباندات رموزا تاريخية جوفاء أو شاعر شعبي يسرق كلمات ربات الخدور ليعيد تدوريها كمنتج وطني صالح للاستهلاك الشعبي ..هؤلاء لم يعرفوا لماذا وكيف بدأت الحرب قبل عشرة سنوات ..ولا يهمهم من كان على حق ومن كان على باطل..ومن سيذهب إلى الجنة ومن سيذهب إلى النار..ولايستسيغون كل تلك الشعارات البراقة التي تنز بالنفاق والخداع ..ولايأبهون لهذا الصخب المفتعل عن مبررات الحرب وتشريد الأبرياء وشح السيولة النقدية ونسف الأحياء السكنية وتفخيخ البيوت الآمنة..انهم يكتفون بالرصد والمتابعة وقياس منسوب الوحشية التي نغرق فيها نحن الأجيال الغابرة التي تتناهش جثة وطن قتلناه بتفاهاتنا وعقائدنا الفاسدة ونرجسيتنا المفرطة..عقود من الألفة والسلام والوفرة البترولية لم تنتج لنا سوى أقلام مدجنة مداهنة لا تعمل سوى ببطاقات الدفع المسبق والوطن بالنسبة لها ليس أكثر من غرض ادبي يمكن استخدامه لاستدرار الإلهام السردي أو الشعري ..اما هؤلاء الأطفال الذين ينتشرون في الزوايا والأركان الهادئة عبر العالم الافتراضي فقد عرفوا الوطن بعيدا عن السرديات والقصائد..استنشقوا رائحته مع ادخنة كتبهم وكراريسهم المحترقة.. تذوقوا طعمه مع وجبات الجمعيات الخيرية في مراكز النزوح ..استشعروا دفء ملمسه في اعضاءهم المبتورة بسبب الشظايا والمفخخات..انهم الاقل حظا في وطنهم لكن الوطن سيكون مخظوظا بهم يوم يملكون زمامه ليصنعوا غده الشفاف النظيف الخالي من الهراء والاحقاد والامجاد الباطلة..