إن المشهد المؤلم الذي يعانيه الالاف من مرضى الأورام السرطانية من أهلنا يعكس وضع صحي منهار بالكامل ، وخصوصًا في مجال حساس وصعب كالأورام السرطانية ، والذي أصبح يشكل تهديد مباشر للعدالة الاجتماعية وكرامة وحياة الإنسان ، وهذا يعكس أن النظام الصحي الليبي مصاب بورم خطير ، وبالضرورة إنه يحتاج لحلول جذرية وعاجلة ومتعددة الأبعاد ومبنية على مناهج استراتيجية وطنية شاملة ، ويتطلب اجراء مسح وطني شامل وعاجل للأورام ، ونسبة انتشارها ، وتوزيعها الجغرافي ، والفئات المتضررة ، وبالتوازي العمل على إعداد تقرير مهني يوثق الفجوات التشريعية والقانونية ، والإجرائية ، والبشرية ، والفنية ، والبنيوية ، والدوائية ، واللوجستية ، والتجهيزية ، والتشغيلية ، والإدارية والمالية ، والخدمية ، وفي نفس الوقت يتم بناءً قاعدة بيانات صحية إلكترونية وطنية للسرطان ، مرتبطة بمراكز الوقاية والكشف المبكر ، والرعاية الصحية الاولية ، وأقسام ومراكز العلاج ، وبالمراكز البحثية والجامعات ، والشروع العاجل والجاد والعلمي في تأهيل أقسام الأورام بالمستشفيات المرجعية ، ومراكز الأورام القائمة ، وتجهيزها بكل الاحتياجات المطلوبة للتشخيص بأحدث التقنيات والتكنولوجيا الطبية المتطورة والمعمول بها في أكبر المراكز العالمية المتقدمة ، من معامل تحاليل أساسية وباثولوجية وجينية وبيولوجية ، وتجهيزات علاجية متقدمة بداء من السرير وتجهيزاته ، والغرفة والقسم ومحتوياته ، الذي يجعله قادر بكل مهنية على القيام بالعلاجات المتنوعة والمختلفة والمتطورة ، إن كانت كيمائي ، أو جيني ، أو هرموني ، أو مناعي ، أو اشعاعي ، أو متعدد ، والتجهيزات الجراحية الكاملة من المناظير إلى الروبوتات الجراحية ، بما في ذلك الاستخدامات الاخرى العلاجية الإشعاعية والتدخلات الإشعاعية المتعددة ، والاستخدامات الأخرى كالبروتون ، والجاما نايف ، والسايبر نايف ، وما يستجد من تطورات تقنية وتكنولوجية في تشخيص وعلاج الأورام ، والاستعانة بالخبرات الأجنبية المعروفة عالميًا لتسيير خدمات طب الأورام تشخيصًا وعلاجًا وتأهيلًا ، مع ضرورة إبرام اتفاقيات علاجية عاجلة مع مراكز متخصصة ومتقدمة في علاج الأورام للحالات الحرجة الان ، والعمل على تجهيز أقسام متكاملة بفندقة عالية وخدمات صحية واجتماعية ونفسية عالية الجودة للرعاية التلطيفية للحالات المتأخرة ، مع التعاقد مع الدول المتقدمة في التعليم والتدريب الطبي والتمريضي والفني لرفع مستوى الاداء والكفاءة للكوادر الصحية العاملة بأقسام الأورام بالمستشفيات والمراكز الطبية المتخصصة ، واستجلاب الأطباء والتمريض والفنيين لتغطية النقص الحاد عددًا وتخصصات ، وبالضرورة اطلاق برنامج وطني للكشف المبكر المستمر والدائم على سرطان الثدي وعنق الرحم ، والقولون والبروستاتا ، كمرحلة أولى ، ويضاف إليهم مايراه الخبراء في ذلك ، وكل هذا يتطلب سلاسل إمداد للأدوية والمستلزمات الطبية مغلقة ، وتحت سلطة واحدة ، بحوكمة وشفافية ورقابة صارمة ، تبدأ دورتها من المصنع الرئيسي وبلد المنشاء الأصلي الى المريض المعني ، ولا مجال ابداً للغش والتزوير والإهمال والتأخير والتقصير ، ويتطلب برنامج وطني شامل ومتكامل للتوعية والتثقيف الصحي المجتمعي ، تشترك فيه الصحة والتعليم والاعلام والبيئة ، وكل القطاعات والمؤسسات المعنية ..
لا يمكن علاج ورم النظام الصحي بقرارات مجزأة ، أو حلول مؤقتة ، وهئيات ومؤسسات مفتتة ، وكوادر ضعيفة وقليلة العدد والخبرة ، وإدارات لا علاقة لها ولا اختصاصها .
ضرورة إصلاح النظام الصحي لأجل صحة وعافية وسلامة المجتمع .
د.علي المبروك أبوقرين