منصة الصباح
جمعة بوكليب

وداعًا للصيف

جمعة بوكليب

زايد…ناقص

الوداعُ المذكورُ بالعنوانِ أعلاه ليس المقصودُ به فصل الصيف الحالي أو الذي سبقه أو ما سيأتي بعده، بل ما مضى، في أعوام بعيدة نسبياً، من أصياف عرفتها ولن تعود، بما كانت تجود به علينا من أوقات ماتعة.

المثل الشعبي القائل ” الصيف ضيف” في حاجة إلى تصحيح أو تعديل وفقًا للتحوّلات التي طرأت في السنوات الأخيرة على فصل الصيف، بحيث يصبح كالاتي: “الصيف ضيف ثقيل ومزعج جدًا.”

بهجته التي عرفناها في أيام الشباب تلاشت مختفية في صفحات الزمن، ونسائمه العليلة في المساءات تحوّلت إلى هواء ملوث بعوادم السيارات والمكيّفات ومولدات الكهرباء. الغابات النضرة الخضراء حول المدن الليبية تحوّلت إلى طوب وإسمنت.

الحروبُ المتواصلة في ليبيا ضد كل نبتة وعشبة خضراء بدأت منذ سنوات طويلة. شجر السرول الوارف الظلال، الذي كان يشمخ عاليًا على جوانب الطرقات طوته الأيام كما فعلت بشبابنا.

في زيارة قمت بها إلى جبل نفوسه في العام 2013، رأيت بأم عينيّ كيف تحوّلت بساتين الزيتون والتين في سفوح الجبل إلى دارات ومساكن قبيحة قذىً للعين. باختفاء الغابات واستحواذ الاسمنت على أراضينا اختفت من صحو سمائنا بهجةُ رفيف الأجنحة. وأفتقدت أبصارنا رؤية الطير من كل نوع. وبدلا من الانتشاء بتغريد الطيور، ضاقت أسماعنا بأصوات أبواق المركبات والدراجات الناريّة.

فواكه الصيف وخضرواته بطيب مذاقها أضحتْ مجلبة لمختلف أنواع الأورام، نتيجة جشع أصحاب المزارع بلجوئهم إلى استخدام التقاوي الكيماوية بكميات كبيرة، بنيّة الانضاج قبل الآوان، بهدف الربح. كذلك ما يصلنا من خارج الحدود، محمولاً في شاحنات من دول مجاورة، عُرفَ عن مزارعيها استخدم مياه المجاري في الري.

مياه بحرنا، واحسرتاه، لم تعد صالحة للعوم والاسترواح بسبب تلوثها بمياه المجاري. و حَرّهُ زاد عما كنّا نعرفه بسبب التغيّرات المناخية، مضافاً إليها انقطاع الكهرباء. لتلك الأسباب، ليس غريبًا أن يتحوّل فصل الصيف الجميل إلى فصل عذاب.

شاهد أيضاً

بروفايل الصباح| صالح الأبيض.. الذي لم يخذلنا وقاوَم لأجل أن نبتسم ونسخر من الوجع

دخل قلوبنا وقدّم لنا هداياه الفنية، ثم غادرنا مبتسمًا، وكأنه يقول لنا: واجهوا كل شيء …