أحلام محمد الكميشي
كثير من سكان المدن الليبية يعتبرون طرابلس العاصمة التي تحتكر كل شيء، رغم أنه ما من مدينة إلا وأرسلت بعضًا من فلذات أكبادها إليها، وهي تحتضن الجميع وتوفر لهم فرص العمل والحياة بما لا يتوفر جُلّه في مدنهم وقراهم، تودّع أغلبهم مساء كل خميس على أمل عودتهم مساء السبت إلى حضنها الدافئ، وتحزن حين يغادر أحدهم الحياة، فيأخذونه – بناءً على وصيته أو بدونها – ليصير جزءًا من ثرى منطقته الأصلية، بعيدًا عنها.
هؤلاء القادمون إليها ما إن تطأ أقدامهم أرضها حتى يندمجوا في نسيجها، ويساهموا في تطورها وازدهارها، ويعطوها كما يأخذون منها، وهي بحاجتهم كما هم بحاجتها، فالعلاقة بين الأم والابن يصعب تحليلها وفهمها بدقة إذا اتبعنا معيار العقل المجرّد أو العاطفة فقط، لكن ما يعلمه كل منتقدي طرابلس ويتجاهلونه، هو أنها تعاني كما تعاني مدنهم، بل وربما أكثر: تعاني الازدحام، وارتفاع أسعار العقارات بيعًا وإيجارًا، والتضخم في أسعار السلع والخدمات، والتلوث السمعي والبصري، ونقص المياه، وانقطاع الكهرباء، وطوابير السيارات حول محطات الوقود، والفوضى الأمنية بسبب انتشار السلاح خارج نطاق الجيش والشرطة.
طرابلس، رغم كونها مدينة ساحلية، إلا أن كثيرًا من العائلات لا تتناول الأسماك إلا مرتين أو ثلاثًا في العام، ويكاد أطفالها ينقنقون من فرط الاعتماد على الدواجن في الطعام بسبب غلاء بقية اللحوم، حتى مع أخبار الغش في تربية الدجاج وإطعامه أعلافًا مخلوطة بالهرمونات ومواد التنظيف، وتسميد الأعلاف والحبوب بمواد كيماوية غير صحية، وأرفف المحلات التجارية تزدحم بالمنتجات المستوردة، وأغلبها ممنوع في دول الاتحاد الأوروبي، ويضطر مرضاها لتناول أدوية غير معروفة المنشأ قادمة من أروقة السوق السوداء، وفي تصريح لرئيس وحدة علاج الأورام بمستشفى طرابلس المركزي، قال إنهم يستقبلون من 3 إلى 6 حالات جديدة يوميًا من مرضى الأورام، وخاصة أورام القولون، ما يعكس حجم معاناة المدينة وأهلها، ويدعو إلى وقفة جادة من الجهات المعنية: الوزارات، والهيئات، والجمارك، ومركز الرقابة على الأغذية والأدوية، والحرس البلدي، والشرطة الزراعية، وكافة المراكز البحثية، لبحث الأسباب واقتراح الحلول.. طرابلس، ككل العواصم، أم للجميع… تعاني في صمت، لكن البعض يصرّ على وضع الملح على الجرح.