منصة الصباح

البرهان وحميدتي وجهان لعملة واحدة

البرهان وحميدتي وجهان لعملة واحدة

بالحبر السري

بقلم: علي الدلالي

ضرب العسكر مجددا في السودان وقتلوا مدنيين سودانيين أبرياء وأرهبوا السكان الآمنين ودمروا الممتلكات العامة والخاصة، في إطار سعي قياداتهم القديم الجديد للسيطرة على السلطة في البلاد بزعم حماية الوطن والدفاع عن سيادة السودان وصون الإستقلال … وآخر المزاعم تسليم السلطة للمدنيين.

في متابعة لما جرى في السودان بعد الإطاحة بنظام عمر حسن البشير ككبش فداء، ارتسمت في أذهان الكثير من المراقبين المعتدلين صورة استحالة أن يسير الجسد السوداني، حتى في حالة الوهن، برأسين.

وفي ذات السياق، يُدرك العارفون بالحالة السودانية أن العسكر في السودان هم الذين دفعوا باتجاه إسقاط البشير لامتصاص غضب الشارع السوداني في استنساخ للحالة المصرية حيث تخلى الجيش المصري عن الرئيس الراحل محمد حسني مبارك، ابن المؤسسة العسكرية، للالتفاف على هبة الشعب المصري الكبرى في ميدان التحرير الشهير وفي كافة المدن والأرياف المصرية قبل الإنقضاض على السلطة مجددا.

تخلى العسكر بالفعل عن عمر البشير في السودان وقاموا بتسهيل تعيين “مدنيين” لطمأنة الشارع السوداني إلا أنهم كانوا في الواقع ينتظرون أن يفقد النظام الجديد توهجه تحت وطأة الأوضاع الاقتصادية المتردية والجفاف والفيضانات المدمرة وتبعات جائحة (كوفيد – 19)، وأن يصل السودانيون إلى حافة اليأس ليقبلوا بأي مخرج حتى وإن كان ذلك المخرج نظاما عسكريا جديدا.

ومع اشتعال النيران في السودان صباح يوم السبت الماضي، سارعت الأبواق في الداخل والآلة الإعلامية في الخارج إلى الترويج بأن الفريق عبد الفتاح البرهان الذي تخرج من الأكاديمية العسكرية وشارك في حروب دارفور وجنوب السودان، يميل إلى العسكر ويرفض ملاحقة أركان النظام السابق، وتقديم محمد حمدان دقلو(الملقب بـ “حميدتي”)الذي لم يتلق تعليما أكاديميا، ولم ينخرط في الجيش أصلا، وإنما شق طريقه للقوة والنفوذ بنفسه وبفضل الثروة التي حققها من تجارة الإبل وحماية القوافل قبل السيطرة على مناجم الذهب في السودان، ورفضه تسليم مواردها إلى وزارة المالية السودانية، يميل إلى المدنيين ويشجع على انتقال السلطة إليهم، إلا أن الواقع الملموس يؤكد أنهما وجهان لعملة واحدة، كل منهما يريد السيطرة على السلطة والنفوذ بعد أن فشلا في السير برأسين في جسد واحد.

عرف السودان التعددية الحزبية منذ زمن بعيد إلا أن تلك الأحزاب رغم قوتها وحواضنها الشعبية العريضة فشلت في التوافق حول نظام الحكم والدستور وكانت في جوهرها أحزابا دكتاتورية مؤدلجة ولم تكن تؤمن بالتداول السلمي للسلطة.

كانت الساحة السياسية السودانية تسودها عدة تيارات حزبية إبان الاستقلال أبرزها التيار السياسي القائم على الطائفية، وكان يمثله حزبان هما حزب الأمة القومي برعاية، عبد الرحمن المهدي، الذي شهد عدة انقسامات لاحقا، وحزب الأشقاء الذي أصبح فيما بعد الحزب الوطني الاتحادي برعاية، علي الميرغني، قبل أن ينشق عنه حزب الشعب الديمقراطي، إلى جانب أحزاب التيار السياسي الإسلامي غير الطائفي المستند على الصفوة ذات التوجّه الإسلامي، ويمثله حزب جبهة الميثاق الإسلامية الذي استبدل اسمه لاحقا إلى الجبهة الإسلامية القومية ثم حزب المؤتمر الوطني فحزب المؤتمر الشعبي وتتمثل زعامته الروحية في شخص الراحل حسن الترابي، والتيار اليساري المتمثل في الحزب الشيوعي السوداني(*).

بعد سنتين فقط من الإستقلال والحكم المدني الضعيف استولى الجنرال إبراهيم عبود على السلطة في 17 نوفمبر 1958 وكانت أول ضربة للتعددية الحزبية في السودان ومقدمة لسلسلة من الإنقلابات العسكرية وصلت إلى الإنقلاب الذي قاده عمر حسن البشير الذي استمرت دكتاتوريته العسكرية في الحكم لمدة 30 عاما إلى غاية 2019.

إن انتصار الجيش بقيادة البرهان أو فوز حميدتي في هذه المواجهة الدموية والمأساة الجديدة، لن يكون في صالح الشعب السوداني على الإطلاق بل سيكون السودانيون والسودانيات هم الخاسر الأكبر. ومن هنا نعتقد أنه لا مناص أمام الشعب السوداني إلا النزول مرة أخرى إلى الشارع لافتكاك حقوقه والتخلص نهائيا من قبضة العسكر وشبه العسكر الذين أفسدوا الحياة السياسية في السودان منذ الإستقلال إلى اليوم.

شاهد أيضاً

ثلاثة في أسبوع واحد

أحلام محمد الكميشي   كنت أنوي الكتابة عن مصرفنا المركزي المترنح وحقولنا النفطية المغلقة وسياستنا …