منصة الصباح
احلام محمد الكميشي

هيبة الدولة

هيبة الدولة” عبارة كررّها مؤخرًا عدد من المسؤولين، وبدت كأنها تبرير لتصرفات سلطوية يُسوّق لها في أي خطاب تعبوي، وتبقى هذه العبارة فضفاضة إن لم تُضبط بمفهوم دقيق يُعيدها إلى أصلها القانوني والسياسي، فهيبة الدولة امتداد لسيادتها كصفة حصرية لا يتمتع بها أحد من أشخاص القانون الدولي سواها، وهي ممارسة فعلية للسلطة داخليًا وخارجيًا، واستقلال في اتخاذ القرار وإدارة الشأن الداخلي دون أوصياء أو متدخلين ودليل على أن للدولة تنظيم فعلي يشمل أركانها الثلاثة من إقليم وشعب وسلطة ولها هيكلية واضحة تفصل السلطة التشريعية عن التنفيذية عن القضائية دون أن تطغى أي فئة من المجتمع على وجود وصلاحيات أي من هذه السلطات.

إن اختزال هيبة الدولة في عرض عسكري، أو قرارات أمنية عشوائية، أو تضييق على الناس، أو تعامل بمعايير مزدوجة في ملفات مصيرية، يفرغ المصطلح من معناه، فالدولة تكتسب هيبتها من احترام القضاء، وعدالة مؤسساتها، وقدرتها على بسط سلطتها في كافة المجالات فوق إقليمها، ومن حريتها في اتخاذ المواقف إقليميًا ودوليًا، ومن قناعة المواطن أن صوته مسموع، وحقوقه مصانة، وأن القانون يسري على الجميع دون استثناء، وأن المناصب والمكاسب ليست حكرًا على البعض وفق محاصصة النفوذ أو القبيلة أو المدينة، وأن السلاح تحت السيطرة الكلية للدولة فقط وليس في يد مجموعات مسلحة مهما كانت تبعيتها.

لا تتحقق “هيبة الدولة” بالشعارات، بل بانتظام المرفق العام، ووضوح الإجراءات، وتكافؤ الفرص وإنهاء تعدد مراكز القرار والأجسام الموازية، وترسيخ مبدأ المساءلة دون محاباة، وتعكسها الثقة المتبادلة بين المواطن ومؤسسات الدولة وشعوره أنها تنصفه وتحميه ولا تهمشه أو تقمعه، وهيبة الدولة بما تحققه من عدالة واستقرار واكتفاء وتنمية ومواكبة للتقدم العلمي والتقني، والمواطن الواعي سيبادر للدفاع عن دولته حين يراها دولة مؤسسات، لا حين تُطالبه بالولاء دون ضمان للحقوق، وفي لحظات التحوّل التاريخية، لن يقف مع الدولة من كان يخافها، لكن من كان يؤمن بها سيرخص حياته في سبيلها حبًا لها، هيبة الدولة هي انتماء أفقي من أفرادها ومؤسساتها إلى كيانها وليس في ولاء عمودي لرموزها وشخوصها.

أحلام محمد الكميشي

شاهد أيضاً

مَعَ إِيرَانْ… فِي وَجْهِ الطُّغْيَانْ

        منذ أيام والعالم مشغول بتفاصيل التصعيد العسكري في الشرق الأوسط، حيث …