اكتسبت ليبيا حدودها كأغلب دول المنطقة باتفاقيات استعمارية لخدمة مصالح المستعمرين، حتى استقلالها بعد كفاح مرير جاء مطلع الخمسينيات من القرن الماضي بقرار أممي ضغط مهلة للتسوية الداخلية كشرط لتحقيق الحلم، وذلك ضمن موجة استقلالات متتالية أعقبت الحرب العالمية الثانية، وتأسست المملكة بأقاليمها الثلاثة وخزانة خاوية، وبسبب (شرط النسيب الكاره) المصري ارتبطت مع بريطانيا وأمريكا بمصالح متبادلة لتتمكن من أداء مهامها تجاه مواطنيها والعالم الخارجي.
ومنذ الستينيات اتحدت برقة، طرابلس، وفزان في كيان إداري واحد لتلبية مصالح دولية مرتبطة بالنفط، دون أن يصاحب ذلك مشروع اجتماعي وثقافي يدمج المكونات فعليًا في هوية وطنية جامعة موحدة يصعب فك عراها بزوال السبب الاقتصادي الذي جمعها، وظلت مدن الأقاليم تشتكي من المركزية وتتهم العاصمة بالاستحواذ على الفرص والمكاسب بالرغم من احتضانها لأولادهم، وخسرت البلاد مساحات تمثل ثروات استراتيجية لأسباب متفاوتة.
بعد 2011م، تفاقمت الإشكالات القديمة مع التدخلات الدولية الفردية وسياسات بعثة الأمم المتحدة التي لا تعالج جذور الأزمة، يضاف إلى ذلك ضبابية مساعي الجيران، ولاح شبح التقسيم في الأفق، وأخذت أعراضه في الزيادة، إعلام موجه وصفحات ممولة كل منها تكيل التهم للإقليم هذا أو ذاك، ازدواجية في المؤسسات والمصالح وإنفاق مضاعف، إصرار من هذه الدولة أو تلك على تقديم الدعم لإقليم أو آخر متدخلة في الشأن الليبي علنًا وسرًا وفقًا لمصالحها وحساباتها فقط، يزيد الأمر سوءًا هجرات متزايدة من جنوب الصحراء، تهدد التوازن الديموغرافي والسياسي على المدى الطويل، تعززها جهود دولية وتبقيها في بلادنا تتزاوج وتتوالد فيمكن لأولادها اكتساب الجنسية برابطة الإقليم.
نواجه نحن ذلك كله بإنكار وجود المشكلة، وعدم السعي الحقيقي لمعالجتها، بينما يبقى حق تقرير المصير المكفول بالقانون الدولي، ورقة ضغط محتملة تتيح لمن يتشاركون اللغة والتاريخ والثقافة والروابط القومية تقرير المصير يومًا ما والإنفصال كما حدث لأريتريا وجنوب السودان، وبدل الانخراط في مشروع وطني حقيقي يحمي سيادة ووحدة بلادنا والهوية الجامعة لمجتمعنا، نرفع شعارات المصالحة الوطنية فيما نقاتل بعضنا بالرصاص والإعلام، ونقتات على وعود البعثة الأممية والحلفاء، وننتظر الحل الخارجي ظنًا أن المجتمع الدولي مثلنا يفكر بالعاطفة.