منصة الصباح
هكذا عشتُ الجحيم.. تأمل طويل في تفاصيل ذاكرة ترفض المحو

هكذا عشتُ الجحيم.. تأمل طويل في تفاصيل ذاكرة ترفض المحو

  الصباح

يقدم الروائي السوري هيثم حسين في كتابه “هكذا عشتُ الجحيم”، تجربته الحية في مواجهة حادثة الاحتراق الذي تعرّض له خلال خدمته العسكرية الإلزامية في سوريا نهاية القرن المنصرم، والذي خلّف آثاراً جسدية ونفسية امتدت لعقود، وشكّلت منعطفاً حاسماً في حياته الشخصيّة والأدبية.

هذه السيرة استعادة لحادث مأساوي، وتأمّل طويل في ما يحدث للجسد حين يحترق، وللروح حين يُطرد منها الأمان، وللهوية حين تُعاد صياغتها بالقسوة. منذ السطور الأولى، ينقل القارئ إلى قلب جحيم الاحتراق بوصفه استعارة وواقعاً مادياً ملموساً.

يتنقل السرد بين مشاهد القطعة العسكرية، المستشفيات، المواجهة مع العائلة والأصدقاء والمجتمع، وبين تأملات شخصية في العزلة، في النظرات، في تطهير الجروح والندوب، في المرآة التي لا تكفّ عن إعادة إنتاج ما ظنّ أنه اندثر. لا يعرض حسين نفسه كضحية ولا كبطل، إنما ككائن معلّق بين حريق لم ينطفئ، وصوت لا يريد أن يُدفن.

سيرة حياتية

يمتزج في هذه السيرة الخاص بالعام، ويتقاطع الجسد المحترق مع جسد الوطن المقهور. يحضر القمع العسكري، التمييز، المراقبة، وكأن السيرة الفردية ما هي إلا صورة مكبّرة لمأساة سورية مستمرة. وبينما يتأمل حسين في الحروق الجسدية، نراه يتأمل في الوقت نفسه في احتراق المعنى، وتشوّه القيم، وتآكل اللغة التي لم تعد قادرة على التستّر.

يضمّ الكتاب مشاهد تفصيلية عن الحادثة: كيف اشتعلت الخيمة، كيف التصق جسده بالحديد والنار، كيف كان الجنود يجرون مذعورين، كيف كان الصراخ يُخنق تحت وطأة الرعب، وكيف لم يكن هناك نظام إنقاذ، إنما فقط غريزة نجاة عارية في وجه الإهمال واللامبالاة والبيروقراطية العسكرية. ومع ذلك، فإن الأشد قسوة لم يكن لحظة الحريق نفسها، لكن ما تلاها: مواجهة النظرات، إعادة تعريف الذات، التعايش مع الجسد المتشوه، والقدرة على إعادة الاعتراف بالمرآة.

ويعد هذا الكتاب الثالث من مشروع أوسع للكاتب، سبق أن عبر عنه في كتابين سيرين سابقين، هما “قد لا يبقى أحد” و”العنصريّ في غربته”، حيث يقارب فيه الذاكرة بوصفها أرضاً محتلةً من قِبل الصمت، ويستعين بالكتابة لاستردادها، بقصد التأريخ تارة، ومقاومة المحو تارة أخرى. في هذا السياق، فإن “هكذا عشتُ الجحيم” هو بمثابة محاولة لاستعادة الصوت في حضرة العطب، ولحفظ ما تبقى من المعنى بعد الخراب.

شاهد أيضاً

الأمن يداهم مصنع خمور محلي في سوكنة

الأمن يداهم مصنع خمور محلي في سوكنة

 داهم قسم البحث الجنائي بمديرية أمن الجفرة منزلًا في منطقة سوكنة بعد ورود معلومات تفيد …