جمال الزايدي
لأسباب عديدة مناوئة لعل أهمها حالة الإفلاس التي يفرضها مصرف الجمهورية على عملائه منذ مدة .. وجدتني أسير سحابة قاتمة من الإحباط والتشتت لتتحول حركتي في البيت والشارع والعمل إلى فعل ميكانيكي خالص لا روح ولا حرارة ولا حماسة فيه ..
في أزمنة خلت كان وضع كهذا كفيل بدفعي إلى ارتكاب حماقات جمة .. لكن النضج والتقدم في السن وتعاظم المسؤولية الاجتماعية كل ذلك كوابح ناجعة ..
بعد وعود ومحاولات لم تكلل بالنجاح من قبل الزملاء طوال الأيام الماضية لمساعدتي في سحب بعض الدنانير من حسابي المصرفي لم أجد بدا من الاقتراض.. ولاشئ أكرهه في هذه الحياة البائسة أكثر من استلاف المال من الآخرين..
كي أتجنب الانغماس في وحل الأفكار السلبية وتجاوز فخاخ الإرتكاس النفسي كثيرا ما استسلم لرغبتي العارمة في إطلاق العنان لساقي تقودانني بلا هدى في الأزقة والشوارع ..ولأن اليوم خميس ولا عمل في الصحيفة فلا أسهل من تحقيق هذه الرغبة .. أخذتني الخطى باتجاه الشمال عابرا كوبري الطريق السريع الذي اكتظ بالسيارات شبه المتوقفة في المسار الرابط بين غرب العاصمة وشرقها.. وعند المخبز المقابل لسور حديقة الحيوان سابقا استوقفني فتى ضئيل الحجم تشع عيناه بمكر ساذج راسما على وجهه إبتسامة شاحبة لا مبالية .. خاطبني بما يشبه الاستخفاف أو هكذا تهيأ لي : – عندك دينار ..؟ تجاوزته ولم أحر جوابا وكنت أسمعه يطلق بصوت منخفض سبابا بذيئا تعبيرا عن سخطه .. لعله يظن أني وغد بخيل لا يحفل بحاجة طفل مثله لدينار واحد لا يسمن ولايغني من جوع .. لم أكن في مزاج مناسب لأشرح له حقيقة الأمر..ولا اعتقد انه مهتم بذلك أساسا ..
بوصولي إلى جزيرة الدوران في مدخل ابوسليم قررت أن أعود أدراجي خصوصا أن حرارة الشمس كانت تزداد شراسة وازعاجا يضاف إلى الإزعاج الذي سببه لي الحذاء الرياضي الرخيص الذي انتعله ..
هناك و على نحو غامض ودونما أسباب منطقية استدعت ذاكرتي المنهكة شخصية ” ميرسو ” بطل رواية الغريب للكاتب والفيلسوف الفرنسي ألبير كامو عندما زاره القس قبيل إعدامه طالبا إليه أن ينبذ إلحاده ويعود إلى الإيمان لينفجر فيه مؤكدًا أنَّ هذا الوجود كله عبثي و لا معنى له ..
اللهم عفوك..