منذ أكثر من تسع سنوات، لا يزال المواطن الليبي هانيبال معمر القذافي محتجزًا في لبنان، دون محاكمة واضحة أو تهم جنائية صريحة، في ظروف يُثير استمرارها تساؤلات جدية حول مدى احترام المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان، والقانون الدولي، والعدالة الجنائية.
وقد تصاعد الجدل مؤخرًا بعد رفض السلطات القضائية اللبنانية طلبًا ليبيًا رسميًا بالإفراج عنه، بحجة أن التعاون القضائي مشروط بتقديم نتائج تحقيقات تتعلق بقضية اختفاء الإمام موسى الصدر، رغم أن لا علاقة شخصية مثبتة بين القذافي الابن وبين هذه الواقعة التاريخية.
في ظل هذا الواقع القانوني والسياسي المعقّد، بات من الضروري أن تبحث الدولة الليبية عن خيارات قانونية عملية لحلحلة هذا الملف بعيدًا عن منطق المساومة والابتزاز السياسي.
نستعرض هنا أبرز الخيارات القانونية والدبلوماسية المتاحة أمام السلطات الليبية:
أولًا: الآليات القانونية الثنائية والإقليمية
1. تفعيل مذكرة التفاهم القضائي الثنائية (2014)
رغم أن مذكرة التفاهم القضائي بين ليبيا ولبنان، والموقعة عام 2014، لا ترقى إلى مستوى معاهدة ملزمة لتسليم المجرمين، إلا أنها تمثل إطارًا مرجعيًا لتبادل التعاون القضائي والمساعدة القانونية.
وعليه، يمكن للجانب الليبي أن يتحرك عبر عدة خطوات:
– الدعوة لعقد اجتماع عاجل بين وزارتي العدل أو النيابتين العامتين في البلدين، لتفعيل آلية تنفيذ المذكرة.
– طلب وساطة قانونية عربية، كدور مساعد من الأمانة العامة لجامعة الدول العربية.
– تقديم ملف قانوني مفصل حول وضع هانيبال القذافي، يوضح انعدام الأساس القانوني لاستمرار احتجازه، وتأكيد غياب أي
تحقيق رسمي ضده في الأراضي اللبنانية.
لكن من المهم هنا أن تُظهر ليبيا “حسن النية القضائية” بتقديم أي معلومات متاحة – ولو جزئيًا – في قضية الصدر، إن وُجدت، بما لا يُخل بسيادتها أو يُورّطها سياسياً.
2. ضرورة اللجوء إلى جامعة الدول العربية
بما أن كلا البلدين عضو في جامعة الدول العربية، فإن الاتفاقيات القضائية العربية تُوفّر أدوات قانونية مهمة يمكن تفعيلها، وعلى رأسها:
الاتفاقية العربية للتعاون القضائي (1983).
الاتفاقية العربية لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الحدود (1998).
اتفاقية الرياض العربية للتعاون القضائي (1984).
ويمكن للدولة الليبية أن تقوم بالآتي:
– تقديم مذكرة احتجاج رسمية إلى قطاع الشؤون القانونية بالجامعة.
– طلب إدراج الملف ضمن جدول أعمال مجلس وزراء العدل العرب.
– اقتراح تشكيل لجنة تقصٍ عربية من قضاة وخبراء للنظر في قانونية استمرار احتجاز المواطن الليبي.
ويجب ان ننون ان هذا المسار يراهن على الإطار الجماعي العربي، لكنه يتطلب دعمًا سياسيًا واضحًا من مؤسسات الدولة الليبية.
ثانيًا: الخيارات القضائية الدولية
وتكمن في التوجه إلى آليات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ، بصفتها دولة طرف في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، يمكن لليبيا – أو لذوي هانيبال القذافي أو فريق دفاعه – التوجه إلى الآليات الأممية التالية:
أ) مجموعة العمل المعنية بالاحتجاز التعسفي
•وهي هيئة أممية مستقلة، تنظر في حالات الاحتجاز التي لا تستند إلى أساس قانوني واضح.
•يمكن رفع بلاغ إليها مدعّم بالوثائق، وتطلب إصدار “رأي قانوني” بشأن احتجاز هانيبال.
ب) المقرر الخاص المعني بالتعذيب والمعاملة القاسية
•يمكن إخطار المقرر بمعلومات حول تدهور الحالة النفسية والجسدية للمحتجز، وظروف احتجازه الانفرادية.
ج) المقرر الخاص باستقلال القضاة والمحامين
•يمكن الدفع بأن إبقاء القضية في يد قاضٍ عدلي بدون محاكمة فعلية يمثل مساسًا بحق الدفاع والمحاكمة العادلة.
وعلى الرغم أن آراء هذه الآليات الأممية غير ملزمة، إلا أن لها قوة ضغط معنوية وإعلامية وقانونية، خاصة إذا تم تدويل القضية أمام المجتمع الدولي.
العدالة لا تُبنى على المساومة
القضية هنا تتجاوز شخص هانيبال القذافي، لتكشف خللًا عميقًا في منظومة التعاون القضائي العربي، وغياب المعايير المتوازنة في التعامل مع الملفات القضائية التي تتقاطع مع الإرث السياسي.
وعليه، فإن من واجب الدولة الليبية – حمايةً لسيادتها أولًا، ولمواطنيها ثانيًا – أن تتحرك بمسؤولية واحتراف، ليس فقط بالمراسلات الدبلوماسية، بل عبر مقاربة قانونية متكاملة تستخدم فيها جميع الآليات المتاحة، وتحشد لها دعمًا سياسيًا وإعلاميًا ومجتمعيًا، دفاعًا عن الحق، وليس عن شخص