منصة الصباح
نوبل للآداب.. من جائزة إلى لعنة!

نوبل للآداب.. من جائزة إلى لعنة!

لن يأخذها إبراهيم الكوني ولا أدونيس.. لنقلب الصفحة ونتجاوز “عُقدة نوبل” أو بمعنى أدقّ “لعنة نوبل”.. أدب إبراهيم الكوني لا يحتاج لتعريف والأمر أيضًا مع أدونيس.

مكانة إبراهيم الكوني محليًا وعربيًا مكانة متواضعة إن تمت مقارنتها دوليًا، أدبه الخاص جدًا منحه حرية الانتشار عكس بعض الأدباء الذين تُرجمت أعمالهم إلى عدة لغات بعد تحصلهم على جوائز دولية. في عالمه الصحراء باب يُفتح حين تُستدعى أعماله هو فقط دون غيره. وحين يُطرح أدب الأساطير والمرويات الاجتماعية لأهل الصحراء، من الضروري الاستعانة بأدب الكوني، لأنه صنع عالمه على مراحل وأزمنة متداخلة في بعضها، وتمت صياغتها النهائية بفك الغموض الذي يسكن الصحراء ولازال.

كتبت قبل فترة، عن الكوني، والبعض اتهمني بأنني لا احترم الكُتّاب الكِبار، مع أنني لم أنسى للحظة، أنه روائي مهم وله تاريخ أدبي. اختلفت معه في أمر عام لا أمر خاص بالأدب. وانتهى الأمر وطوينا الصفحة.

ومع إدراج اسمه ضمن ترشيحات نوبل للآداب، فرِحت وتمنيت أن يحصل عليها، لكنني في الوقت نفسه، كنت أرى أنه لن يحصل على الجائزة، لأن معايير نوبل والبوكر، أصبحت معايير “مزاجية” تحكمها اللحظة والمزاج الخاص بالمختصين في الجائزة.

نوبل كجائزة هي لا شيء، ومن صنع نوبل الأسماء التي ارتبطت بها تاريخيا معها، وهنا نقصد الآداب فقط. وإن تأملنا التغطيات الصحفية عنها هذا العام وقبله، سنرى أن بريق الجائزة بدأ يتراجع ولم تعد نوبل كما كانت قبل سنوات وقبل عقود.

ومع كل هذا البريق أو المحاولة التي تمنحها نوبل للآداب كل عام، تفقد قيمتها الحقيقية مع كل إعلان جديد لها. تدريجيًا نوبل تنتقل من جائزة إلى لعنة. لم تعد تلك الجائزة التي كان بريقها يلمع لأيام وأسابيع، تُفتح فيها الصفحات على الفائز المحظوظ، والذي ستتسابق عليه دور النشر ومراكز الترجمة للتعريف بهِ ومنحه بطاقة عالمية تُكتب بكل لغات العالم.

الأدب في مفهومه التقليدي انتهى إلى الأبد، ما يحدث اليوم هو اكسسوارات تجميلية. والرواية تحديدًا لم تعد تُكتب لتُقرأ. اليوم أصبحت الرواية كتابٌ منسيّ إلى أن تُصبح عملاً سينمائيًا أو دراميًا. بدأ هذا فعليًا في عالمنا العربي في مصر تحديدا مع نجيب محفوظ، التي أصبحت أغلب أعماله بعد نيله نوبل، أعمالاً درامية وسينمائية. وأيضا مع غابريال غارييا ماركيز، الذي أصبحت أشهر روايتين له “الحب في زمن الكوليرا” و”مائة عام من العزلة” أعمالاً فنية، الرواية الأولى فيلم، الرواية الثانية مسلسل.

قيمة نوبل للآداب، لن تعود كما كانت سابقًا

منذ أن تسارعت الأحداث الدموية والسياسية المتقلبة منذ أكثر من عقد، في أغلب دول العالم وفي عالمنا العربي تحديدًا، إضافة إلى الصراعات العرقية والدينية، والاقتصادية المتراكمة، ومفهوم الأدب والفِكر تغير، وبدأ كل شيء مرتبطًا بالمحلية الأدبية المرتبطة بالقارئ ذي تجاوز حدوده الجغرافية وأصبح يتابع كل شيء لحظة بلحظة. ولم يعد الأدب أو الرواية تحديدًا.

تسارع الأحداث السياسية في عالمنا العربي وخارجه، غيّر الكثير من المفاهيم التقليدية عن الأدب والفنون والفِكر. سنرى ذلك ببساطة مع إعلان أي فائز أو فائزة بالجائزة، عن ميولها السياسية وعن رؤيتها للقضية الفلسطينية وقضايا الإنسان الحقوقية، معايير طبيعية إن تعامل معها كمعايير أخلاقية بالدرجة الأولى، لا معايير تخضع للمزاج الفكري أو لحدث سياسي وغيره من المتغيرات التي لم تتوقف منذ سنين.

في رأيي الشخصي، إبراهيم الكوني، لا يحتاجها، وإن تحصل عليها مكسب بكل تأكيد، لكن إرثه الأدبي والفكري تجاوز كل ذلك، هو روائيّ ومفكر وله أدب تُرجم إلى أغلب لغات العالم، إضافة إلى ذلك أن له إصدارات ومساهمات أبرزها سلسلة “بيان في لغة اللاهوت” التي تُعتبر مرجعًا فكريًا وتاريخيًا للبشرية وتجاربها الأولى مع الإنسان الأول ومن ثم التراكمات والتجارب والمعتقدات والأفكار وكل ما له علاقة بالإنسان وعلاقته بالأرض وكيف تكوّنت. ولهذا هو مختلف عن أغلب أدباء عصره، لم يكتفي بأدب الصحراء وعوالمها التي نسجها على مدار أعوام إلى أصبحت أساطير نعتبرها حقيقة مطلقة، بل تجاوز كل ذلك إلى علم اللغات والفلسفة، وهذا أشبه بمشروع قومي حقيقي، ينبش التاريخ ويقتفي أثر النقوش وسِحر السكون، ليُنتج ما يُكمل مكتبته الثرية بأعمال كاملة متنوعة، عن عوالمه الخاصة التي نسجها بسردية خاصة جدًا، إلى درجة تجعل القارئ يعرف بأنه سيدخل إلى عالم الأسطورة الممزوج بالخيال والحقيقة، وبين الماضي والحاضر وأيضًا المستقبل.

صعوبة نوبل للآداب تتضاعف مع عالَم متغير ومتمرد على كل المعارف التقليدية، في الكتب في الندوات في المؤتمرات الفكرية وغيرها من حقول المعرفة. قد يرى البعض أن هذه النظرة مبالغ فيها، لكن إن تأملنا عالَم البودكاست وقبله الكتاب المسموع والبرامج التفاعلية التي تمنحها المنصات الرقمية للقُرّاء والباحثين عن عوالم البحث والمعرفة، سنجد أنها بدأت تتخذ موقفًا واضحًا مع الأدب والفِكر المرتبط بالكتب والقاريء فقط. وفتح الباب لكل من يريد المعرفة ولمدة لا تتجاوز ساعات. يخرج منها المتلقّي بخلاصة الرؤية أو الفكرة الأدبية أو الفكرية.

هذا ليس انتقاصًا للأديب للكاتب، بل على العكس تمامًا، هو عامل إضافي للانتشار بشكل أوسع، وبطريقة أقل تعبًا.

ما علاقة نوبل للآداب بكل ما ذكرنا؟
نوبل جائزة تقليدية تحافظ على تاريخها المعروف، وهو أمر يُحترم، لكن مع هذه المحافظة، مازالت نوبل للآداب لم تفهم العوالم المتغيرة من حولها، مازالت تعتبر نفسها المقياس الأوحد للجودة المعرفية والأدبية، وللأسف مازال البعض من الروائيين والكُتّاب، ينتظرون دورهم في جائزة لن تُضيف لهم أي شيء، باستثناء كتابة اسماءهم المعروفة أساسًا، أسماءهم التي صنعوها على مدار أعوام وعقود، من القراءات والبحث والكتابة، إلى أن أصبحت أسماءهم أهم من أي جائزة وأهم من نوبل للآداب نفسها.

حمزة جبودة

شاهد أيضاً

تيته : الليبيون يستحقون الاستقرار السياسي والسلام والبعثة ستدعمهم 

تيته : الليبيون يستحقون الاستقرار السياسي والسلام والبعثة ستدعمهم 

أكدت ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا هانا تيته على أن تقدما تم احرازه …