نفيسة حمزة
في أعماق الشرق الليبي حيث يتعانق عبق التاريخ مع نسائم الجبل الأخضر…هناك… تستريح مدينة شحات.. إحدى أعظم المدن الإغريقية القديمة في شمال أفريقيا.. شاهدة على حضارات مضت لكنها ما زالت تنبض في حجارة الأعمدة ونقوش الجدران وشواهد المعابد المنسية.
شحات ليست مجرد مدينة.. بل هي متحف مفتوح على اتساع الأفق . تحكي فيه الآثار قصص الملوك والفلاسفة… وتوشوش الرياح حكايات المجد .. لكن المؤلم ان كل هذا الجمال يذبل في ظل غياب الرعاية وانعدام الاهتمام الرسمي.
ففي الوقت الذي تستقطب فيه المدينة آلاف الزوار سنويا من الباحثين والمستشرقين وعشاق التاريخ تظل القطع الأثرية تُسرق منها مرارًا وتكرارا بسبب عدم وجود متحف يليق بعظمة إرثها ..وكأنها تُجرد من هويتها قطعة تلو الأخرى …و على مرأى ومسمع من الجميع. بينما تقف المدينة التي كانت ذات يوم عاصمة للفكر والفلسفة بلا حماية.. بلا وسائل إيضاح.. بلا دورات مياه . بل بلا أدنى مقومات الاستقبال الحضاري.
ووسط كل هذا الخراب تقف المديرية التي كانت تشرف على مساحة جغرافية شاسعة وقفة المتفرج.. فانكمش الوجود الإداري وابتلعت المركزية ما تبقى من نبض رسمي في المدينة.
مأساة شحات ليست فقط في الإهمال… بل في الصمت. مناشدات ووقفات احتجاجية و أصوات أحرار وقلوب غيورة على الوطن ..كلها ذهبت أدراج الرياح. فيما تستمر المدينة في تقديم كنوزها على طبق من ذهب لذوي النفوس المريضة الذين يسرقونها قطعة قطعة.. وينقلونها خارج حدودها دون رادع ولا حسيب.
لقد آن الأوان أن يكون لشحات متحف بمعايير عالمية.. يُهندس على يد خبراء آثار من مختلف بقاع العالم يليق بما تحتويه من معابد وتماثيل ومخطوطات وكنوز لا تقدر بثمن. بل أكثر من ذلك فإن وزارة السياحة والآثار الليبية يجب أن تتخذ من شحات مقرًا رسميا لها.. لا من باب المجاملة.. بل اعترافا بمكانة المدينة التاريخية والثقافية.
شحات ليست مدينة من الماضي.. بل كنز من الحاضر.. و ركيزة لمستقبل السياحة والثقافة الليبية. فهل من مستجيب؟