حنان علي كابو
يذهب الفن في رسالته إلى عمق الروح الإنسانية، يخاطبها بلغته الخاصة، ولم يبحث يوماً عن الجمال فقط، بل يجسد بمحاكاة تعبيرية ما يجول في أغوار الروح والذاكرة..
برز اسم الفنانة التشكيلية، وعضو هيئة التدريس بجامعة درنة نسرين الحمر، بعد إعصار “دانيال” الذي اجتاح درنة، وسبب كارثة مأساوية..
وتصدّرت لوحتها “الثالثة وعشر”، بعد أن حازت على جائزة “الإبداع الفني العربي” لعام 2023م، كل مواقع التواصل الاجتماعي، لفكرتها وآلية تجسيدها. إضافة لرسومات تعبيرية، تحاكي مأساة مريرة عاشتها مدينة بأسرها، بلحظات دمج قبضت فيها نسرين الحمر على شعور الهول.
“نسرين” التي تخصّصت في الرسم الزيتي، اشتركت في العديد من المعارض التشكيلية داخل المدينة وخارجها. تقول حول بداياتها: “حبّي للرسم كان منذ الطفولة، أميل للمدرسة التي تجمع ما بين الواقعية والتعبيرية، كما تستهويني الأعمال السريالية، لأنها تُطلق العنان لخيال الفنان ليُنجز بكل حرية. دائماً أجد نفسي في حالة تفكير وتأمل وبحث عن اسلوب أتميز به، واعتبر كل محاولاتي التشكيلية هي للاستكشاف والغوص في أسرار اللون وحركة الفرشاة”.
تدين “الحمر” بكل الفضل للفن، لمكانته السامية، ورسالته الإنسانية. وفي ذلك تضيف: “لا يختلف اثنان على أن الفن التشكيلي، هو تخليد لذكرى وتوثيقٌ لتاريخ، وخير شاهد على العصر، بدليل وجود العديد من الأعمال التشكيلية التي عكست حضارات الشعوب، ونقلت لنا قصصهم وثقافاتهم، منذ عصور الإنسان القديم، حيث تعرفنا على طريقة حياته عن طريق رسوماته البدائية على جدران الكهوف، والتي كانت على شكل تخطيطات بسيطة للحيوانات التي كان يصطادها، والطقوس التي كان يمارسها، وكذلك بعض الأواني التي وُجِدت عليها زخارف ونقوش بسيطة، عكست ثقافة مرحلة معينة في تاريخ الانسان.”
فالفن صاحب الإنسان منذ بداية مسيرته في الحياة، معبراً عن جميع مراحل تطوره وتقدمه، فكان خير شاهد على كل ما يحيط به.
ـ ورغم قدرة الفن التعبيرية عن تجسيد الحالة بعدة إيحاءات، ومهمته في توثيق الأحداث.. فهل يمكن للفنان أن يتجاوزها ويشفى منها؟
تقول نسرين الحمر: “مع قناعتي بأن الفن التشكيلي هو أداة لتوثيق الأحداث مثله مثل كتابة التاريخ، ولكن عندما أمسكُ بالفرشاة، وأبدأ في الرسم، أحتاج لوجود مثير يستثيرني لأقوم بالرسم والتعبير، من دون وجود مثير، أجد صعوبة في مزاولة شغفي، سواءً أكان هذا المثير جمالي أو وجداني، ومهمٌ عندي أن تظهر اللوحة بشكل جميل، أيّاً كان الموضوع المرسوم.
الأعمال التي تهتم بإيصال الفكرة فقط، دون الاهتمام بشكلها الجمالي، مثلما يقوم به “الفن المفاهيمي”، لا تشدّني، أحبُّ التفرج عليها، وأحاول فهمها، ولكن عند تنفيذ عملٍ ما، فإن عنصر الجمال مهمٌ عندي، ربما تتغير نظرتي في المستقبل، فالفنان مع كثرة التجارب والمحاولات قد تتغير أفكاره وطريقة طرحه للفكرة.. “وقد مرت مدينة درنة بالعديد من الأحداث المؤلمة، كان الحدث الأخير إعصار “دانيال” حدثاً مروّعاً وكارثة، إنسانية بكل المقاييس، من بعد الحادثة بأسبوعين أو شهر تقريباً، وأنا تمتلكني رغبة شديدة لمحاولة فعل أي عمل، أشعر فيه أني قدّمت شيء لمدينتي، وعبّرت فيه عن نفسي، وقمتُ بواجبي تجاهها، ما حدث طبعاً، من خلال تخصصي الفن التشكيلي، قناعةً منّي أن لكل إنسان دوراً مهماً في الحياة، ولكل تخصّص قيمته، مثلما الطبيب له دور في معالجة الجرحى والاهتمام بهم، والجماعات المتطوعة كالهلال الاحمر كان لهم دور في إنقاذ الأرواح، وغيرهم.. كلٌّ حسب وظيفته، كذلك الفنان دوره إيصال مشاعر الناس، والتعبير عنهم وعن نفسه في مصاب كهذا.”
– أعمالك تُحاكي مأساة مريرة عاشتها مدينة بأسرها، هل لإفراغ شحنات وجع، أم تخليداً لذكرى مروعة؟
– في سلسلة أعمالي عن حادثة درنة، كان جُلُّ هدفي التعبير عن مصاب الناس وآلامهم، وما ألمَّ بهم من هول شديد.. فجاءت لوحتي” الثالثة وعشر”، التي جسدت من خلالها مشهد غرق المدينة، أظن أنها قد أحدثت لي فارقاً كبيراً على الصعيد الفني، فقد لاقت تفاعلاً كبيراً من الناس لم أكن أتوقعه، لامست مشاعرهم وأثّرت فيهم، وقد أسعدني هذا كثيراً. وأيضا لوحة “النجاة ” التي صورتُ فيها فتاة تركض على الدرج حاملة طفل بين يديها، محاولة الهروب والنجاة من السيل الكاسح، وهو مشهد حدث بالحقيقة للكثيرين، كثير من ردود الأفعال جاءت متفاعلة مع هذه اللوحة، لأنها عبّرت عمّا حدث لهم. أما في لوحة “الإعصار”، جسدت من خلالها مشهداً للإعصار بشكل دوامة قادمة، كانت جميعها محاولات مني لاختزال مشاعري، في لوحة تشكيلية وتقديمها للعلن.
– ماذا بعد هذه اللوحات؟
– الحقيقة لا يزال عندي العديد من الأفكار والمشاهد، التي أتوق لتنفيذها، وجميعها مستوحاة من قصصٍ حقيقية حدثت بالفعل، ولكني الآن متوقفة، ربما هي استراحة بسيطة، لا أدري، ولكن بالتأكيد لن أتوقف عن ممارسة شغفي في الحياة.
تهمسُ لي التشكيلية نسرين الحمر في آخر حديث بيننا قبل أن اختمه: “نحن كفنانين محليين، أحياناً نجد صعوبة الاستمرار في العمل التشكيلي، بسبب عدم توفر التشجيع والدعم، وأماكن ملائمة لعرض الأعمال، وفي كثير من الأحيان لا نجد تفاعلاً كافياً من المجتمع تجاه الاعمال الفنية.”