أحلام محمد الكميشي
تتناقل صفحات فيسبوك أخبارًا عن ارتفاع نسبة الطلاق في ليبيا حديثًا، ويتفاعل معلقون معها رغم أنها لا تستند إلى دراسة علمية أو بحثية أو بيانات رسمية صادرة عن المحاكم أو وزارة العدل أو الشؤون الاجتماعية، ما يجعل الجزم بارتفاع أو انخفاض نسبة الطلاق أمرًا غير دقيق، ويجب أن تم المقارنة بفترات زمنية سابقة واضحة المعالم، مع تحليل للعوامل التي ساهمت في التغيير، فقد يكون ما يُعد “ارتفاعًا” ليس إلا نتيجة طبيعية لزيادة حالات الزواج، ولمعرفة نسبة الطلاق الدقيقة لابد من معرفة معدل الزواجلا تعاني ليبيا من ارتفاع في نسبة الطلاق بقدر ما تعاني تراجعًا في معدل الزواج والإنجاب، فالزواج يتطلب إمكانيات تُثقل كاهل المقبلين عليه بسبب التضخم الاقتصادي المستمر، وأول العوائق تأمين بيت الزوجية الذي يتجاوز سعره 150 ألف دينار ليبي، وهو ما يعادل أكثر من مئة ضعف مرتب موظف من الدرجة الثامنة، والإيجارات مرتفعة ولا تحتكم للقانون، ولا مشاريع إسكان مدعومة أو سياسات تشجع على تكوين أسر مستقرة، ناهيك عن بقية تكاليف الزواج، وهذا أثّر على بلادنا فرغم اتساع مساحتها الجغرافية وغناها بالثروات، تظل منذ عقود من أقل الدول سكانًا مقارنة بجيرانها، ووفقًا للتقديرات السكانية لعام 2024، يبلغ عدد سكان ليبيا حوالي 8 مليون نسمة فقط، مقارنة بـ12 مليون نسمة في تونس، و106 ملايين في مصر، و45 مليونًا في الجزائر، و48 مليونًا في السودان، و18 مليونًا في تشاد، و27 مليونًا في النيجر، أي أن بلادنا تعاني فجوة سكانية كبيرة، ويجدر البحث عن أسباب هذا الثبات العددي المزمن، وبذل جهود كافية لفهم الظاهرة ومعالجتها.
هذه الأرقام ليست مجرد إحصاءات، بل إشارات حمراء تنذر بمشكلة خطيرة في بنية المجتمع الليبي، فالمجتمعات التي لا تتجدد بتكوين الأسر والإنجاب تفقد مع الزمن قدرتها على التطور ووجودها، لذلك فالحديث العشوائي عن الطلاق، دون معالجة الأسباب الحقيقية التي تعيق الزواج نفسه، قد يكون مجرد تشتيت للانتباه عن جوهر الأزمة، والسؤال الذي يترجم التحدي الحقيقي ليس لماذا ترتفع نسبة الطلاق؟ بل: لماذا تتراجع الرغبة أو القدرة على الزواج والإنجاب وزيادة عدد الليبيين أصلًا في بلادنا؟