منصة الصباح

نساء مكويجي

بقلم / سعاد الوحيدي

ما فتئت مقولة «إن اسرع وسيلة لتغيير المجتمعات، هي تعبئة نساء العالم»، لشارل مالك (العربي الوحيد الذي شارك في صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان): حول قدرة النساء على صنع المستحيل، تتأكد كخارطة طريق لإنقاذ البشرية. والخروج بالعالم من المأزق الذي أوقعه فيه الرجل. (من حيث مستوى العبث الذي أخذ يسود).

المقولة التي استعيرها هنا بمناسبة اليوم العالمي، لمناهضة العنف ضد النساء، وذلك رغم المسافة التي تباعدني عن الحملات الموسمية المنددة لبرهة، (قبل أن تختفي)، بجروح متقرحة لا تنفك تنزف قبل الحملة، وبعدها، ودون أتوقف أمام الأرقام الصادمة، لجرائم العنف ضد النساء عبر جغرافيا العالم.

تلك التي تصور الوجود براحاً ذكورياً، مستثنى من أي رادع قد يحمي النساء من عصف القتل والاغتصاب والتشويه، وحيث تتحول اجساد النساء إلى ساحة لحروب الرجل، ويوظف الاغتصاب سلاح حرب، وسبي الحرائر غنائم حرب، والانتقام عبر جسد النساء انتصارات حرب. مكتفية هنا بالتركيز على العنف الأكثر فتكاً بالنساء من جهة، وما أسفر عنه الكفاح باتجاه تعبئة النساء أنفسهن لمواجهة ذلك..في هذا السياق، كانت معايشتي  لتجربة أفريقية استثنائية، قد تدخلت بقوة لتجدر فكرة هذا النضال في رأسي. تلك التي خاضها صديقي البرفسور دونيس مكويجي. (الحائز على جائزة نوبل للسلام).

الرجل سخر حياته، لمعالجة ضحايا العنف الجنسي في الكونجو الديمقراطية، هنالك عرفت أن البرابرة المسلحين يغتصبون النساء دون تميز، (وإن كانت طفلة لم تتجاوز  السنتين)، وأن مكويجي كثيراً ما عالج فتيات تعرضن لانتهاكات مريعة، أحتاجت لعمليات جراحية متعددة ومعقدة، أستمرت لسنوات.

كانت الفتاة  تعود للمصحة بعد ذلك، وقد تعرضت من جديد للاغتصاب، وبصورة لا تقل بشاعة عن السابقة. وحيث كان يشرح لي بأنه لا يجب أن نتوقع أي مساندة في هذه المهمة، بل أن نتوقع مواجهتنا بالعداء.

لقد تعرض مكويجي لأكثر من حادث أغتيال في الكونجو، في احدى الأمسيات  حكى لي بمرارة قصته مع رئيس الجمهورية: «لقد فوجئت به يصعد درج المصحة، فشعرت لوهلة بسعادة غامرة، حيث توقعت أن اهتماماً رئاسياً صار يتحقق. وسارعت للترحيب به، لكنه بادرني بالقول، وهو يصافحني ببرود: أنا لست هنا من أجل «نسائك»، بل في زيارة لمريض».

وكانت فكرة مكيويجي، التي دافع عنها لأول مرة في القمة الافريقية التي جمعتنا في نيروبي عام 2012، أنه ولمواجهة  العنف الجنسي الموظف كسلاح حرب، يجب أن ندفع بالأحرى بالنساء الضحايا للتمركز في خط المواجه، وأن ينهضن أنفسهن لمحاربة هذه الآفة، وخلق الوعي الجمعي الرافض للسياسات الموظفة للاغتصاب الممنهج كسلاح حرب.

هكذا في حضن مؤسسة ميكويجي، التي تأسست في جنيف بعد قمة نيروبي، كانت ولادة «سيما « الشبكة العالمية لضحايا العنف الجنسي أثناء النزاعات»، والتي تجمع بين كافة الضحايا من مختلف أنحاء العالم. و»سيما» تعني «البوح»، والحديث عما جرى. وحيث تكسر الضحايا جدار الصمت، الذي يشكل الحليف الرئيس للجناة.

بما يؤسس للخطوة الأولى للتعافي، وفق الاعتراف بالضحية، كضحية. ولمعاقبة المذنبين، وتحقيق العدالة، وجبر الضرر.

وحيث تولت الضحايا الدفاع عن انتظاراتهن، والترافع عن قضيتهن بانفسهن أمام المحافل الدولية، وحيث طالبن بإنشاء صندوق عالمي (تموله الدول التي تقف وراء الحروب)، يعني بضحايا العنف الجنسي أثناء النزاعات. هذا الذي تم إقراره الشهر الماضي في نيويورك (بالأمم المتحدة) كتتويج لنضالهن.

وهي تحتفل معي بهذه الخطوة الجبارة، شددت لي الصديقة استر دينمانس، رئيسة مؤسسة مكويجي العالمية: «بإن نضال النساء الليبيات، الذي كان وراء صياغة أول قانون في العالم، يعترف بضحايا العنف الجنسي أثناء النزاعات «كضحايا حرب»، وتأسيس أول صندوق في العالم لمعالجة أوضاع الضحايا، هو الذي ألهم هذه المبادرة العالمية».

وشددت: «إن نضال المرأة الليبية تأكد رمزاً مهماً في سياق نضال المرأة العالمي..».

على أنني لم أشأ، ودموعي تشكرها، أن أخبرها أن الصندوق الليبي، ولد، واستمر، فارغاً.

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …