الصباح/ حنان علي كابو
من عمقها المرتوي ما بين دراسة وتكنيك انبعث من شغفها المشرع، من مخيلتها المتقدة، وعينها الثاقبة القابضة، من لمستها الآسرة التي تعرف متى تجيد ضغط الزر، تفرد لنا نجاة صالح تجربتها لنغوص عبر أروقة لوحاتها بتجريدتها العالية ورمزيتها المفعمة ومن التشويش تحلق عاليا بحثا عن صفاء يسمو وبراح يغدق وجمال يفرد أجنحته ويغرد .
وتعرفت نجاة صالح عبدالسلام المتحصلة على بكالوريوس فنون واعلام ،قسم التصميم والطباعة عام 1993م، على خصائص اللون وأشكال الخط ورموزه تستعيد جزءً من ذكرياتها وتقول:
“دراستي للتصميم والطباعة جعلتنا نتعرف على الحفر على المعادن، والحفر على الأحماض بالإضافة إلى الألوان ورمزيتها وتمازجها وتقاربها وفتحت لنا آفاق أخرى، وكنا محظوظون حقا فقد تلمذننا على أيدي نخبة من الأساتذة من الدول العربية من العراق مرورا بسوريا والسودان ،درسنا تاريخ الفن ،بالإضافة لقراءاتي الخاصة والبيئة التي كنت أعيش فيها حيث كنت أحبو تحت المكتبة أغرف من كل الكتب والروايات والمجلات التي يزودني بها شقيقي إبراهيم”.
تبحر نجاة في أغلفة الكتب حيث مجال تخصصها فتضيف “فكان للصورة رمزيتها والكلمة أبعادها وخفاياها ويمنحك الحدس والقدرة على التحليل وسبر أغوار الكلام ”
في تجربتها الرائدة تقبض نجاة على حالات من التشويش وبضغطة زر على الكاميرا تخرج لنا لوحات تجريدية تبدو للرائي تمازج بين الزيتي والمائي ترافق لوحاتها نصوصا نثرية “كان هذا التشويش بالنسبة لي منتهى من الصفاء، أخذني لأمكنة أبعد، ولغة متفردة ولحظات تجلي وسمو إلى اللا أفق”
تميل نجاة للمدرسة الرمزية وتراها “تعطي مساحة من الحرية والقراءة وتعطي ومضات للفكر وتدفع به للبحث ”
بين الصورة الملتقطة ثمة نثر يرافقه ما تكتبه بمداد روحها … وتقول ..المطر الغزير لا يُزيل الاسوار … يغسلها فقط
من جديد … ستصهل جياد *الأمزونات وترعب الريح ، وتطوى المسافات، ونظفر جدائل الشمس ونقيم أعراس القمر …
اسْلكُ ذاكرتي …
عطر عالق بالطُرقات …
والشُّباك ،
والعتبات ….
غَنّتْ ..
فيروز لتو …
يا أنا يا أنا …
أنا ويااااك …
علي العباني
عديد المشاهد تمر بنا دون أن ننتبه ، أو نلتفت لها … الفنان وحده من يمنحها قيم جمالية لا أفق لها … يتلو صلوات بالمجال كله … يهمس بألوانه ويصبغ بالشعر العناصر كلها … عن كثب يتابع التشكيلي علي العباني تجربة نجاة وقال عنها على ضوء سؤالنا
“بعيدا عن كل التقييم الناجم عن رؤى أكاديمية خاصة في هذا العصر الذي سيطرت أو تكاد تسيطر عليه أساليب الحداثة بمعانيها الأدبية والفنية .
تجربة نجاة أراها فعل متقدم رغم بساطة الأداء وبكارة التجربة ومحدودية تحققها، أراها تجربة مثيرة ومهمة وحداثوية في نطاق جغرافيتها مع ملاحظة الانسجام الكامل بين ممارسة هذه التجربة عند نجاة وبين كم الوعي والسليقة الشعرية التي أنجبتها هذه التجربة .
بإمكان نجاة اختيار مجموعة من أعمالها الإلكترونية وخوض تجربة طباعتها بتقنية معاصرة (السيلكسكرين ) مثلا، فإذا عرض للمتلقي فأتوقع إذا تحقق بالمثالية التي أعرفها تقنيا بالتأكيد ستكون خطوة حداثوية تحرك الساكن في كل البصري المعهود” .
كما تشاركنا الروائية الشاعرة محبوبة خليفة ومن المتتبعين لتجربة نجاة قالت عنها ”
(من عمق التشويش أبحث عن الصفاء)، هكذا ردَّت المبدعة المتوارية خلف ابداعها بتواضع الكبار. ردت نجاة على تساؤل الأصدقاء لما التشويش ؟ “احنا مش ناقصين”، فكان جوابها يليق بهذا الإبداع، وبهذا الصفاء الذي يزيّن صفاتها الجميلة وما أكثرها.
أتأمل دائماً أعمالها ثم أقرأ نصوصها المصاحبة لكل عمل، فأرى التنافس الكبير بين القلم واللوحة.
نجاة تكتب جملاً قصيرة تقدم بها أعمالها أو تفسِّرها وهذه بعضها:
*نساء ليبيات كانت تهابهن الدنيا” ”المطر الغزير لا يُزيل الاسوار يغسلها فقط” “خارج الإطار نصي مرهق وأنا تائهة في هذه المدينة” هذا قليلٌ من كثير التقطته عين شاعرة فرأتْ فيه نصوصاً قصيرة وحلوة وقريبة من القلب
. لستُ ناقدة، فالفن التشكيلي ومدارسه معروفة بتاريخها وروَّادها.
والحقيقة حاولتُ البحث عمّا تفعله( نجاة صالح)ولم أصل لمدرسة يتبعها هذا الفن وربما هذا تقصير مني لكن وأقولها بثقة أعتقد أن مبدعتنا تدشّن خطاً جديداً في هذا المجال فيه دعوة للتأمل والاستكشاف
. نجاة لا تشوش من فراغ فالسيدة فنانة حقيقية وتعرف ماذا تفعل.
يسعدني جداً تشويش نجاة وأدخل دائماً لصفحتها متأملةً هذه الصديقة كيف تصنع الجمال وتقدمه واضحاً لمن يبحث عنه ويحبه”
أما الكاتبة والقاصة هدى القرقني فقالت ”
“فن تعبيري تتجلى فيه عبقرية نجاة وكيف تتركك لرمزيّتها وألغازها، ربما هو عالمها السحري وكأنها روايات مختلفة عبرت عنها بكل تشويش ، جداً يعجبني إيحاءها بهذه الطريقة المعقدة والجديدة وإن لم أصل أحيانا إلى فكرتها” .
تقف الامكانيات وجها امام نجاة لإقامة معرضها الأول لتحاكي تجربتها أمام العالم ولكن هذا لم يمنعها من الاستمرار على أمل أن يتحقق حلمها المشروع .