د.محسن دريجة
بعد معارضة شديدة لتعديل سعر الصرف وتعذر تعديله من خلال مصرف ليبيا المركزي، فرضت رسوم لغرض توحيد سعر الصرف للجميع ولسداد الدين العام الذي تكون نتيجة التأخر في معالجة مشكلة تضخم الميزانية مقابل دخل النفط. وبالرغم من البطء في تنفيذ عملية بيع العملة وفتح الاعتمادات خلال الأسابيع الأولى بعد قرار فرض الرسوم، الآن أصبح أثر الإجراء واضحاً. ولكن السؤال الذي يواجهنا: هل يكفي هذا الإجراء لإصلاح الاقتصاد الليبي؟ ماذا بعد؟
خطوة تعديل سعر الصرف من خلال فرض الرسوم أعاد للدولة سيطرتها على سعر الصرف وأنهى الفرق الكبير بين السعر الرسمي وسعر السوق الموازي.. وبالمقابل استمر تضخم بند المرتبات وازداد التوجه نحو استخدام الرسوم في إنفاق المزيد.. وهذان الأمران يمثلان تهديداً لسعر الصرف لابد من التوقف عندهما.
الجانب الأهم في الاقتصاد الليبي الذي يتطلب اصلاحاً واهتماماً عاجلاً هو سوق العمل.. تركيبة السكان وتوزيع الفئات العمرية في ليبيا يبين أن حوالي 60 ٪ من عدد السكان هو في سن العمل وعدد العاملين في القطاع العام حوالي 1800000 يضاف إليهم حوالي 300000 يعملون في شركات عامة والقطاع المصرفي.
هذا يعني أن الدولة تدفع مرتبات كطريقة لتوفير فرص العمل بدون أن يكون هناك انتاج او حاجة للوظائف.. لهذا السبب الانفاق على بند المرتبات يمثل أكثر من 65 ٪ من الميزانية العامة ومردوده لا يمثل أكثر من 10 ٪ من المبلغ الذي ينفق.. أي أن مستوى الخدمات، الأمن، الدفاع يشير الى أن هذه المبالغ مردودها جداً ضعيف.
ويضاف إلى هذه المشكلة الأساسية ان مبلغ حوالي 6 مليار دينار ينفق على الدعم وهذا ايضاً مردوده ضعيف بالنظر الى جودة خدمات الكهرباء والتي تتحصل على 60 ٪ من الدعم وتهريب نسبة كبيرة من باقي القيمة في شكل وقود.
الخطوات التالية لابد أن تبدأ في التعامل مع مشكلة البطالة المقنعة واستبدال الوظائف الحالية بأخرى منتجة.. القطاع الخاص لابد أن يكون له دور كبير في ذلك. وايضاً التعامل مع مشكلة الدعم سواء للكهرباء او للوقود الذي يستخدمه المواطن. هناك أفكار كثيرة يمكن تنفيذها خلال فترة قصيرة وأخرى تتطلب زمناً أطول لأنها تغير الاقتصاد الليبي من اقتصاد تملكه وتسيطر عليه الدولة ويتميز بضعف الاداء إلى اقتصاد حر يعمل بتنافس ويوفر السلع والخدمات ليس بالاستيراد فقط بل بالصناعة والامكانات المحلية.