الصباح-وكالات
نشر موقع ” مهاجر نيوز ” الالكتروني ” تقرير مطولا عن معاناة المهاجرين غير الشرعيين في في مالطا ، وما يتعرضون له من انتهاكات يومية لحقوق الانسان .
واستهل التقرير بالتركيز على ما يعانية المهاجرين في مركز ” هل فار ” جنوب العاصمة المالطية فاليتا لإيواء المهاجرين، أكبر مركز من نوعه في مالطا، إذ يستقبل نحو 1500 مهاجر.
وقال إن المركز تعرض مؤخرا لعدد من الانتقادات التي طالت طريقة إدارته وعنف الشرطة داخله تجاه المهاجرين. ما حقيقة تلك الانتقادات وماذا يقول المهاجرون تجاه حياتهم هناك؟
المشهد رتيب يكاد يخلو من أي حركة تذكر سوى بضعة سيارات أو شاحنات تتسابق لإنهاء الطريق اللامتناهي. بضعة أشجار من الصبار والزيتون متناثرة على جانبي الطريق تعطي صورة عن طبيعة المنطقة إجمالا، التي كانت لعشرات السنين منطقة عسكرية تنتشر فيها ثكنات الجيش، واليوم باتت تحتضن أكبر مركز لإيواء المهاجرين في مالطا.
المشهد أمام مدخل المركز لا يختلف كثيرا عن الطريق المؤدية إليه، منطقة جرداء، بوابة حديدية مدعمة، جدران حجرية مسورة بأسلاك شائكة، صورة تعكس حالة المهاجرين المتواجدين داخل مركز هل فار.
لم يطل الوقت حتى التقينا بسعيد وأصدقائه. المهاجرون السودانيون متواجدون في ذلك المركز منذ أشهر، وهم شهود على بعض الممارسات والأمور التي لا يصدق أحد أنها قد تحدث في بلد أوروبي.
قصص اللاجئين والمهاجرين تتقاطع في الكثير من التفاصيل. أحدهم قادم من دولة في الشرق الأوسط (فضل عدم الكشف عن أي شيء مرتبط بهويته لأنه ومواطنوه هناك لا يتعدون عدد أصابع اليد الواحدة)، تحدث عن عنف الشرطة المتكرر داخل المركز، “قبل أسبوعين تقريبا، قامت الشرطة بضرب وسحل مهاجر قاصر لمجرد أنهم شكوا أنه سكران. الشاب تعرض لأذى كبير، لم يكن أمامه حل سوى الهرب، وهذا ما قام به. لا نعلم عنه شيئا الآن، ربما استطاعت الشرطة اعتقاله وربما لا، ولكن في أغلب الأحيان يتم ضبط كل من يحاول الهرب من هنا”.
هالو، مهاجر جنوب سوداني، قال” قبل نحو 10 أيام قام عدد من الأشخاص، من جنسيات متعددة، بالهرب من المركز. لم تستمر محاولتهم سوى بضعة ساعات، ضبطوا وأعيدوا إلى المركز ليؤخذوا لاحقا إلى السجن. هذه هي حياتنا هنا، إما أن نقبل الإهانات اليومية والذل، وإما أن نذهب إلى السجن”.
وحول الخدمات الطبية، أجمع المهاجرون على عدم وجودها، “مهما كانت حالتك الصحية، إذا توجهت للمستوصف فلن تنال سوى حبة مسكن… هناك أشخاص يعانون من أمراض نفسية حادة، طبعا ليس هناك أطباء متخصصين، كل ما يمكنهم فعله هو الانتظار ونحن معهم. نراقبهم يوميا ونرى كيف تتدهور حالتهم الصحية يوما بعد الآخر. أحدهم طرد من المركز لسلوكه، فذهب إلى ناحية البحر، بالقرب من مرفأ فاليتا. يعيش على الشارع، لا يتكلم مع أحد، حتى معنا نحن الذين كنا على علاقة وثيقة به في السابق”.
وحول العمل، يصف سعيد الوضع بالمأساوي، “ليس أمام المهاجرين هنا سوى العمل بالأسود. وطبعا، لهذا النوع من الأعمال ظروفه الخاصة، أجور متدنية، حوالي أربعة يوروهات بالساعة في حين أن التسعيرة الرسمية هي ثمانية يوروهات.
المعاملة سيئة جدا، يعملون لساعات طويلة، وفي بعض الأحيان لا يتقاضون أجورهم. وإذا تعرض أي من المهاجرين لحادث عمل فستكون مصيبة، لن يحظ بأي علاج طبي حقيقي أو أي تعويض”.
سعيد ترك بلاده بحثا عن الحرية والكرامة، حسب قوله، “أوروبا كانت وجهتي الأولى والأخيرة. كل ما أردته هو فرصة لإكمال تعليمي والحصول على مستقبل أفضل. الطريق من بلادي عبر النيجر وتشاد وليبيا لم تكن سهلة، ولكنها لا تقارن بما نعيشه هنا”.
توالى المهاجرون السودانيون على سرد الأحداث التي شهدوها في المركز وباتت تشكل جزءا عاديا من يومياتهم. ضرب وإهانات من قبل الشرطة، طوابير لا متناهية أثناء توزيع الطعام الذي بالكاد يكفي حاجة قاطني المركز، التهديدات اليومية بالطرد، نظرات الاشمئزاز التي يضطرون لتحملها داخل المركز وخارجه.
“هناك نحو 1500 شخص يقطنون هذا المكان. المساحة في الداخل مكتظة بشكل رهيب”، يقول سعيد. يذكر أن مهاجر نيوز حاول الحصول على إذن من السلطات المالطية للدخول إلى المركز، لكن الطلب قوبل بالرفض.
“طبعا سيرفضون”، يورد سعيد، “لا يريدون لأحد أن يرى ما يحدث في الداخل. حتى نحن إذا اكتشفوا أننا نتحدث إلى الإعلام سنتعرض للمساءلة، وربما السجن أو أكثر”.
المهاجرون الباقون يتحدثون بسرعة بالغة، أحاديثهم تتداخل، ولكنهم جميعا أجمعوا على الخوف من الشرطة. بالنسبة لجابر، وهو مهاجر سوداني أيضا، اختيار أوروبا جاء “هربا من الحروب في السودان ومن النظام السابق، أريد أن أعيش بحرية. أسعى لحياة أفضل وتعلم أفضل”، يتوقف قليلا ليضيف “ما من أحد يترك وطنه بإرادته، أنا لم أر أهلي منذ سنوات. هل يظنون أن هذا أمر نفرح بالقيام به. هل يعتقدون أن الهجرة هي هدفنا بالحياة”.
عبد الستار، مهاجر من جنوب السودان، تحدث عن معاناته من المعاملة السيئة التي ينالونها، “نعاني من العنصرية. عليك أن تراهم كيف ينظرون إلينا في الشارع. أنا شخصيا تعرضت لمضايقات واعتداءات عدة في الباص… يمكنك أن تتعرض للضرب والإهانة هنا كما لو أنك لا تزال في ليبيا، ولن يساعدك أحد على تحصيل حقك”.
ذكر أن معظم الأعمال التي تعرض على هؤلاء المهاجرين هي مرتبطة إما بقطاع البناء أو بقطاع الزراعات الموسمية.
يتدخل هالو مقاطعا “حتى عندما نذهب لساحة العمل، (إحدى الساحات العامة في فاليتا حيث ينتشر العمال المهاجرون بانتظار أن يأتي أصحاب ورش البناء المنتشرة في المدينة ليختاروا منهم عمالا يوميين)، تأتي الشرطة وتطردنا من هناك، يعرفون أننا هناك لنعمل بشكل سري لأننا لا نملك تصاريح عمل ويغضون النظر، مع ذلك يضايقوننا. يقولون لنا بأن نذهب لمكتب العمل، ولكن مكتب العمل لا يؤمن الوظائف لأحد، فما بالك بأشخاص بوضعيتنا”.
على بعد نحو 200 متر من هل فار، يقع المركز الذي يستقبل العائلات المهاجرة. ثلاثة مبان قديمة كانت في السابق ثكنة عسكرية. باب المركز حديدي، الى جانبه غرفة صغيرة يجلس داخلها رجلي شرطة. المكان هادئ نسبيا مقارنة بمركز هل فار الرئيسي. بضعة أولاد أفارقة يلهون في الساحة الرئيسية وإحدى العاملات بإدارة المركز تسير أمامنا وكأننا غير موجودين.
تمكنا من التحدث إلى ثلاث سيدات هناك، جميعهن من السودان إلا فاطمة، قدمت من جنوب السودان. تبدو على النسوة الثلاثة علامات التعب الواضحة. فاطمة تبادر بالحديث “لم أنم بشكل جيد منذ جئت إلى هذا المركز. وضعنا صعب جدا هنا، طبعا لا يمكن مقارنته مع وضع المركز الرئيسي (بإشارة إلى مركز هل فار)”.
بالنسبة إلى سنية، وهي قادمة من السودان، “لا يمكن لأحد أن يدرك معاناتنا هنا. صحيح نحن لا نتعرض للضرب أو الإهانات العلنية كما يحصل في المركز الرئيسي، ولكن نوع التمييز والعنصرية الذي نشهده هنا أسوأ بكثير من الضرب”.
سرد النسوة الثلاث قصص علاقتهن بالمسؤولين عن إدارة المركز. سعاد، مهاجرة سودانية أيضا، لم تكترث كثيرا للحديث مع الإعلام، “الإعلام كباقي المؤسسات، فقط تأتون لأخذ الصور وكتابة أفكارنا وتذهبون. نريد حلولا، نريد الخروج من مالطا، لا أريد البقاء هنا”.
ما قالته سعاد انعكس على وجهي فاطمة وسنية. بادرت سنية بالحديث “هناك نظام التواقيع هنا، كما في المركز الرئيسي. على كل منا التوقيع على وثيقة خاصة ثلاث مرات بالأسبوع، لإثبات حضورنا هنا. لا يمكننا التخلف عن التوقيع ولو لمرة واحدة، وإلا سيشطب الأسبوع كاملا وبالتالي سيخصم من المعونة الشهرية التي نتلقاها 35 يورو”. ويتلقى كل مهاجر خضع لمقابلة طلب اللجوء مبلغ 130 يورو شهريا، وبالنسبة الى العائلات، فهي تتقاضى مبلغ 60 يورو عن كل طفل.
“فيما يخص الأطفال، يأتونا بثلاثة أكياس حفاضات شهريا، 120 حفاضا من المفترض أن تكفي طفلي الرضيع ذي الأربعة أشهر شهرا كاملا، كيف؟”، تقول فاطمة، “يقولون لي إنه إذا نفذت الحفاضات لدي فيجب أن أشتري من حسابي الخاص، من الـ130 يورو! كيس الحفاضات يبلغ ثمنه 11 يورو، لكم أن تتخيلوا كم نعاني لتسيير أوضاعنا”.
وأضافت سنية “حتى الحليب، حليب الأطفال، يعطونا أربع علب شهريا، طبعا لا تكفينا، فنضطر لشراء المزيد من حسابنا. هذا كله يضاف إلى سعينا الدائم لألا نغضب القائمين على المركز كي لا يخصموا شيئا من مخصصاتنا”.
عمليا، لا تحظى العائلات المهاجرة بأي معاملة خاصة، عليهم جميعا تدبر أمورهم بواسطة الأموال التي يتقاضونها شهريا. ولكن ماذا عن الأطفال؟ هل هناك برامج خاصة لهم؟ هل يذهبون للمدارس؟
“كلا” قالت سنية، “ليس أطفالنا. نحن بحاجة لأن ننتظر فترات قد تتخطى الستة أشهر قبل أن نتمكن من إلحاق أطفالنا بالمدارس، في حين الأطفال الآخرين، السوريين واليمنيين والعراقيين… يلحقونهم بالمدارس بعد شهر واحد من وصولهم. سألت كثيرا عن سبب التأخر بملف أولادي، طبعا لا جواب. لا يمكنك الحصول على أي جواب هنا. ما من شيء معروف. بالنسبة لأطفالي وأطفال باقي الأفارقة هنا، الموضوع عنصري، هناك عنصرية بغيضة غير معلنة تجاهنا”. سرد النسوة الثلاث قصص علاقتهن بالمسؤولين عن إدارة المركز. سعاد، مهاجرة سودانية أيضا، لم تكترث كثيرا للحديث مع الإعلام، “الإعلام كباقي المؤسسات، فقط تأتون لأخذ الصور وكتابة أفكارنا وتذهبون. نريد حلولا، نريد الخروج من مالطا، لا أريد البقاء هنا”.
ما قالته سعاد انعكس على وجهي فاطمة وسنية. بادرت سنية بالحديث “هناك نظام التواقيع هنا، كما في المركز الرئيسي. على كل منا التوقيع على وثيقة خاصة ثلاث مرات بالأسبوع، لإثبات حضورنا هنا. لا يمكننا التخلف عن التوقيع ولو لمرة واحدة، وإلا سيشطب الأسبوع كاملا وبالتالي سيخصم من المعونة الشهرية التي نتلقاها 35 يورو”. ويتلقى كل مهاجر خضع لمقابلة طلب اللجوء مبلغ 130 يورو شهريا، وبالنسبة الى العائلات، فهي تتقاضى مبلغ 60 يورو عن كل طفل.
“فيما يخص الأطفال، يأتونا بثلاثة أكياس حفاضات شهريا، 120 حفاضا من المفترض أن تكفي طفلي الرضيع ذي الأربعة أشهر شهرا كاملا، كيف؟”، تقول فاطمة، “يقولون لي إنه إذا نفذت الحفاضات لدي فيجب أن أشتري من حسابي الخاص، من الـ130 يورو! كيس الحفاضات يبلغ ثمنه 11 يورو، لكم أن تتخيلوا كم نعاني لتسيير أوضاعنا”.
وأضافت سنية “حتى الحليب، حليب الأطفال، يعطونا أربع علب شهريا، طبعا لا تكفينا، فنضطر لشراء المزيد من حسابنا. هذا كله يضاف إلى سعينا الدائم لألا نغضب القائمين على المركز كي لا يخصموا شيئا من مخصصاتنا”.
عمليا، لا تحظى العائلات المهاجرة بأي معاملة خاصة، عليهم جميعا تدبر أمورهم بواسطة الأموال التي يتقاضونها شهريا. ولكن ماذا عن الأطفال؟ هل هناك برامج خاصة لهم؟ هل يذهبون للمدارس؟
“كلا” قالت سنية، “ليس أطفالنا. نحن بحاجة لأن ننتظر فترات قد تتخطى الستة أشهر قبل أن نتمكن من إلحاق أطفالنا بالمدارس، في حين الأطفال الآخرين، السوريين واليمنيين والعراقيين… يلحقونهم بالمدارس بعد شهر واحد من وصولهم. سألت كثيرا عن سبب التأخر بملف أولادي، طبعا لا جواب. لا يمكنك الحصول على أي جواب هنا. ما من شيء معروف. بالنسبة لأطفالي وأطفال باقي الأفارقة هنا، الموضوع عنصري، هناك عنصرية بغيضة غير معلنة تجاهنا”.