منصة الصباح

سيف النصر مطرب مجدد ام ظاهرة موسيقية عبقرية

سيف النصر مطرب مجدد ام ظاهرة موسيقية عبقرية

صباح الفن

عبدالله الزائدي

في احدى ليالي مهرجان النهر الصناعي عام 1984 في بنغازي وكان التلفزيون ينقل الحفل على الهواء ، انشد مطرب شاب عشريني يرتدي نظارة معتمة ويحتضن الة العود ويجلس وسط فنانين شعبيين ذائعي الصيت ،منهم على الجهاني و حميد الكيلاني ، ليغني اغنيته ضمن فقرات الحفل وكانت بعنوان طويل السالف من تلحينه و من كلمات عياد نجم ، بدأ الشاب الغناء بموال تقول كلماته “يا غزال لا تجارا بانن عليك اوصاف سود انظارا تعال ننشدك ” واستعرض الشاب في الموال احساسه الموسيقي وصوته الجميل ، وبدأ صوته الطربي واداءه الشرقي المتمكن لافتا الى موهبة فارقة، ،ذلك الشاب هو اليوم النجم الكبير سيف النصر ، وكانت تلك الليلة انطلاقة جديدة لشكل الغناء الشعبي ، وظهور حالة فنية طربية متفردة ، كان سيف دون منازع صوت الجيل بكل تفاصيل الزمن و معاناة الحياة في تلك السنوات ، فذلك الشجن في صوته ، جعل من أغنياته هاتفا بهواجس وعواطف ومشاعر وأحلام ومقاساة وامال الجيل.

تلك الليلة كان سيف النصر مستعدا لاول ظهور تلفزيوني في حفل كبير ، بعد نحو ثمان سنوات كان فيها مغنيا شعبيا وله تجارب فنية ولكنه لم ينل حقه من الشهرة التى يستحقها بعد، صعد على المسرح في عرض للمخرج داوود الحوتي قدم اغاني على كاسيت ، ولكن تلك الليلة كانت الاهم و طويل السالف لم تكن مجرد اغنية شعبية يرددها مطرب شعبي ، بل كانت تقديري فرصة مهمة في الاداء بل وفي لون الغناء الشعبي ، لقد اعلن سيف النصر ، في وهو يترنم بالموال أن الاغنية الشعبية صار لها على صوته وعوده أسلوب خاص ، ذلك الاسلوب الذي بدت فيه بصمات الموسيقى الشرقية واضحة ، وأظهر مهارات في التقاسيم الشرقية وفي العرب وفي الإحساس الموسيقي المشبع في وضوح بمدرسة رياض السمباطي ، لم يكن سيف النصر يؤدي كلمات شعرية على إيقاع شعبي كما جرت العادة ، لقد كان مطربا شرقيا متمكنا بصوت شجي يغني اغنية شعبية وعلى الة العود ، وسرعان ما تحولت طويل السالف الى نقلة فنية ، ويتحول سيف النصر الى نجم لامع للطرب وللاداء الشعبي ايضا، فدخل مع الة العود الى اللحن الليبي كما لم يدخل قبله اي فنان ، مشكلا الى اليوم ظاهرة فريدة في الغناء الليبي . فهو فنان الغناء الشرقي بكل مقاماته ، وهو ايضا الفنان الشعبي صاحب الايقاع الذي تردده الناس بانسجام ، وصارت الشركات لا تتوقف عن طباعة أشرطته ، ويتهافت عليه المنتجون والشعراء باحثين عن النجاح في صوته.

كانت تلك الليلة تتويجا حقيقيا لما بدأه سيف النصر في شريطه الذي انتج عام 1980 وحمل اغان صنعت بمزيج شرقي وشعبي منها خايف من الظنون ، واغنية ليش يازمان يجفونا الحبايب ، واغنية ابعث مرسال ، ذلك الشريط الذي ترجم فيه سيف النصر فكره الموسيقي بعدما تعلم العزف على العود .

وصار اللون الموسيقي لسيف النصر مقصدا للشعراء كل شعراء الاغنية ، فالاسم الشاب تربع باتساع عرش الاغنية الليبية بل تجاوز الحدود ، وفي عام 1988 يطير سيف النصر الى سوريا حاملا اغنية جديدة لتسجيلها من كلمات الشاعر عبدالله منصور ، تقول كلماتها

عينى بكت من شوقها يوم اللقاء

عينى لقت معشوقها يوم اللقاء

محبوبتى عند المساء

طلت كما بدر السماء

فكرتنى بالقديم ماضى محبه

و انطوى تحت الرديم

عيني بكت من شوقها

لنا زمان ابعاد لا ما تناسيتك

وجيتى وزينك جيه جيتى

وجيتي بلا ميعاد صدفه و لاقيتك

متغيرة عن قبل خساره عليك حسوفه

ياللى زمان وقبل بالحب ملهوفه

باين عليك انسيتى موالنا وجفيتى

وفي الكلمات هي عندي افضل ما كتب عبدالله منصور ، فالمحبوبة هنا هي الحبيبة التى تتبدل بعد ولع وشغف ، والمحبوبةهنا قد تحمل ايضا معنى الدنيا التي تتغير بانكسارات مريرة بعدما اظهرت فتنتها ورغبتها ، ولم تحمل الكلمات ما يعرف الشعراء من غزل ظاهري في الشكل بل وصفت المشاعر بشكل مجرد مرهف ، فالاغنية حالة تقدم مشاعر انسانية عميقة ، اما اللحن فهو من ابدع ما صاغ سيف النصر ، وتحولت الاغنية الى ايقونة وملأت الدنيا وتجاوزت زمانها واصبحت من كلاسيكيات الاغنية الليبية ، وعربيا تعيش الاغنية الى اليوم وتسجل في الخليج العربي على اعلى قوائم المشاهدة بعدما غناها الفنان السعودي عبدالله شرف

وخلال رحلته الناجحة مع الفن كانت اغاني سيف النصر الاكثر نجاحا ووضعته خارج اي منافسة مع جيله من اشرف محفوظ ومحمد حسن وعادل عبدالمجيد ومصطفى طالب ومحمد الصادق وغيرهم فهو صاحب لون موسيقي خاص جعله بعيدا عن المنافسة ، ومن اهم محطاته اعادته لتلحين اغنية لوليل عليك الليل للشاعر سليمان الترهوني والتى سبق ان غناها ولحنها محمد حسن ، وهو في ذلك يقدم على تجربة لم يخوضها غيره من قبل فالاغنية نجحت بلحن محمد حسن وعندما تنجح اغنية يكون لاعادتها تلحينا تحدي ورهان ، واعاد سيف النصر الاغنية ، لتنجح نجاحا مدويا .

كان سيف النصر مطربا عفويا حاد الذكاء ، لكن الاهم انه شكل ظاهرة خاصة في الاغنية الليبية ، وعبقرية موسيقية ، يعرف اختيار الشعر الذي يناسبه ، واذا اردت ان تصفه بالظاهرة ففيه كل مقوماتها ، واذا اردت ان تنظر اليه بانه صاحب عبقرية موسيقية فهو كذلك ايضا واعتقد انه اجدر من يلقب بفنان الشعب

شاهد أيضاً

على هامش مهرجان ليبيا السينمائي

ككثيرين غيري ربما، انتابتني مشاعر سلبية إزاء مهرجان ليبيا السينمائي الدولي للأفلام القصيرة بمجرد الإعلان …